 |
العراف الذي تنبأ بمستقبلنا ميشيل نوستردام كيف خدع العالم بتنبؤاته؟
تصميم الصورة ريم أبو فخر |
تحدثنا سابقاً عن أشهر عراف في العالم " |ميشيل نوستردام| "، وعن بعض نبوءاته التي تحققت، وفي هذا المقال سنتحدث عن أسلوبه الذي ابتكره فيما يخص معرفة أحداث المستقبل، وعلى أي أساس بنى تنبؤاته.
- فهل كان ساحراً أو مشعوذاً ويستعين بالجن ليطّلع على المستقبل؟
- هل كان منجماً أو خبير بالفلك ويستطيع عن طريق هذا العلم أن يعرف الأحداث التي ستجري في المستقبل؟
-وهل من الممكن أنه كان يملك كتب قديم قد كُتب فيها مستقبل البشر ،أو أنه كان امتداد لمنظمة منذ قديم الأزل لديها أجندة خاصة تسعى من خلالها لتغيير مفاهيم البشر؟
هل كانت تنبؤاته صحيحة أم خاطئة؟
بما أن ميشيل كان يعرف بالمستقبل ألم يكن من باب أولى أن يستخدم هذه المعرفة لصالحه، فبما أنه يرى المستقبل فمن الطبيعي أن عرف بأنه سيموت بمرض" النقرس"
فكان من باب أولى أن يتجنب أن يصاب بهذا المرض، سواء بالعدوى أو بسلوكيات معينة
وهنا يقول البعض بأنه كاذب ودجال.
- وبما أن البعض اعتبره كاذباً ودجالاً، فكيف عرف أن الطفل هنري الذي رآه في قصر الملكة كاترين سيكون ملك فرنسا
فيقول بعض من الناس المؤيدين له، بأنه كان صادقاً ومتنبأ بالمستقبل.
ولكن لايمكن الحكم على الأمر بهذه الطريقة
لأن ميشيل لم يكن صادقاً ولا كاذباً، فقد كان يقف على نقيض من الأمرين، وربما ذكائه الشديد ساعده في ذلك، فقد تربى ميشيل منذ صغره على ديانتين مختلفتين هما اليهودية والمسيحية
ورجل بشخصيته وحبه للعلم والمعرفة، من المؤكد والطبيعي، بأنه سيتعمق بدراسة هاتين الديانتين اللاتي مروا عليه في حياته
حيث قرأ واطلع على كتبهم مثل التوراة والإنجيل والتلموذ، وحتى النصوص والأحاديث المذكورة لأنبياء هذه الديانات.
وعلاوةً على ذلك، فقد درس ديانات أخرى مثل تعاليم| الدين الإسلامي |ودرس القرآن وأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
يأتي أحدهم ليقول لك ....
ما علاقة دراسة ميشيل للأديان بالتنبؤات ومعرفة المستقبل؟
لقد كانت دراسة ميشيل للأديان بالنسبة له أول طريق لمعرفة المستقبل، فكل كتاب سماوي من كتب هذه الديانات، وكل حديث أو نص مذكور عن رسول أو نبي كان من الممكن أن يعطيه معلومة عن أحداث ستحدث في المستقبل.
- وهذا يعني بأنه لم يدرس هذه الديانات ليصبح عالم دين، بل درسها ليأخذ منها بعض الأحداث التي ذكرت فيها على أنها ستحدث في المستقبل
وعلى سبيل المثال هناك الكثير من النصوص في الإسلام والتي تشير إلى أمور ستحدث في المستقبل.
ومن ضمن التنبؤات التي ستتحقق في المستقبل والمذكورة بالدين الإسلامي، ولدينا يقين وإيمان تام بها، هي أن جزيرة العرب ستتحول لمروج وأنهار وستتغير طبيعتها المناخية
ومؤمنين أن هناك رجل سيظهر في زمن من الأزمنة سيقود الأمة الإسلامية ويجعلها تنهض من جديد.
وتعتبر هذه الأشياء تنبؤات وأحداث وإطلاع على المستقبل ولكن بمنظور ديني.
 |
العراف الذي تنبأ بمستقبلنا ميشيل نوستردام كيف خدع العالم بتنبؤاته؟
تصميم الصورة ريم أبو فخر |
وكل الأحداث التي ذكرناها ستحدث في المستقبل بتفاصيلها....
ونقيس على ذلك كل الديانات كالمسيحية واليهودية وبعض الديانات السماوية الأخرى التي لا يعرفها الكثير من الناس، يوجد فيها نصوص لأمور ستحدث في المستقبل.
وليس هناك خلاف على أن معظم الكتب السماوية تم تحريف نصوصها ماعدا القرآن الكريم، وبالرغم من وجود التحريف إلا أنه من الممكن إيجاد بعض النصوص التي لم تحرف، وبعض| النبوءات| لم تتغير بدرجة مئة بالمئة.
فمن الممكن أن تكون صحيحة.
والواضح أن ميشيل أخد بعض الأحداث المذكورة في الدين المسيحي على أنها ستحدث في المستقبل ونسبها له كتنبؤات، وبعض الأحداث من الديانة الهودية والإسلامية وبعض الديانات السماوية الأخرى، وكون من خلالها كتبه.
وحتى نوضح الصورة بشكل أكبر وأعمق وأدق
لو افترضنا بأنك كشخص تقرأ الآن غير مسلم وليس لديك اطلاع على الدين الإسلامي، وأخبركم أحدهم أن جزيرة العرب بعد مرور مئة عام ستزدهر وتكثر فيها المروج والأنهار، وتناقلت هذه المعلومة بين أقاربك وأولادك وبالفعل بعد مرور مئة عام تحقق ماتم إخبارك به، فهل سيتم اعتبار من أخبرك بهذه المعلومة عراف ومتنبأ بالمستقبل، أم أنك أنت غير مطلع على الدين الإسلامي.
ساعدت هذه الطريقة ميشيل على بناء قاعدة أساسية من التنبؤات عددها لابأس به، لكن لم تكن هذه الطريقة الوحيدة التي استخدمها للتنبؤ بالمستقبل، لأن الأحداث المذكورة في الكتب السماوية لم تكن كثيرة لدرجة تسمح له بكتابة المئات من التنبؤات.
هناك طريقة أخرى استخدمها ميشيل لمعرفة المستقبل
فقد تعلم السحر من جده "جان" والذي علمه عدة لغات، وتعلم منه ما يسمى بسحر" |الكابالا|" والذي يختص به اليهود، ويعتبر من أقوى أنواع السحر على الإطلاق.
وتعلم عدة أنواع من السحر حيث تمكن من خلالها من التواصل مع الجن والمردة تحديداً.
وبالطبع فإن الجن والشياطين والمردة لا يعلمون الغيب، ولكنهم يملكون طرق لاستراق السمع على الملائكة في السماء، كما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام.
وذلك يعني أن هناك غيبيات قضى الله أمرها في السماء واطلع عليها ذوي الاختصاص من الملائكة، فيأتي مسترقي السمع وهم بمرتبة المردة من الجن ويحاولوا سماع هذه الأمور، ويتم تناقلها فينا بينهم حتى تصل للساحر أو الكاهن.
وكانت هذه الطريقة بالنسبة للجن من أسهل الطرق، إلى أن جاء الإسلام وضيق عليهم هذا الأمر
فمنذ ولادة الرسول عليهم السلام، كان كل واحد من الجن ممن يسترقون السمع في السماء يضربه شهاب أثناء نزوله إلى الأرض، وهذا الكلام هو تفسير لأحاديث الرسول.
وهذه كانت إحدى طرق ميشيل بالتنبؤ ومعرفة المستقبل.
فهل كانت كتب الديانات السماوية والسحر هي الطرق الوحيدة التي استخدمها ميشيل في تكهناته وتنبؤاته؟
 |
العراف الذي تنبأ بمستقبلنا ميشيل نوستردام كيف خدع العالم بتنبؤاته؟
تصميم الصورة ريم أبو فخر |
كان لدى ميشيل طرق مختلفة للتنبؤ، وهذه الطرق مختلفة تماماً عما ذكرناه، فقد كان ميشيل رجل ذكي جداً، وكان يملك جاذبية وشخصية خاصة به والتي ساعدته على الظهور بمظهر الرجل المتنبأ، وذاع سيطه على أنه يعرف بالمستقبل أولاً من خلال اطلاعه على الأديان، وثانياً استخدامه للسحر.
ولكن بنفس الوقت كان لا يظهر نفسه أمام الناس على أنه ساحر أو مشعوذ، لكنه كان يبدو بأنه شخص طيب يملك بصيرة وذكاء واطلاع على المستقبل.
وكتب بإحدى رسائله لابن القيصر، يخبره فيها بأنه وجد عدة كتب تعود لحضارات قديمة اندثرت، ومن أبرز هذه الكتب كتاب اسمه "أسرار مصر"
وقال في رسالته لابن القيصر بأن هذا الكتاب كان يحتوي على أسرار كثيرة جداً عن عالمنا، وأن هذا الكتاب يعود للمصريين القدماء أو تحديداً للكهنة المصريين
وبعد أن أنهى دراسة هذا الكتاب وحفظه عن ظهر قلب، قام بإحراقه حتى لا يستخدمه الناس استخدام خاطئ.
وحصل ميشيل أيضاً على كتاب يسمى" ميروبيس" وهذا الكتاب مليء بنصوص مأخوذة من سفر النبي حزقيال وسفر الرؤيا
وكل النصوص الموجودة في الكتاب عبارة عن تنبؤات
فاستخدم ميشيل النصوص المذكورة بداخل هذا الكتاب والتي تعتبر تنبؤات دينية ونسبها لنفسه.
وعن طريق هذين الكتابين تمكن من كتابة كتبه (التكهنات والتنبؤات)
فقد كان يأخذ معلوماته من أكثر من مصدر وبأكثر من أداة، ويقوم بصياغة التنبؤات بطريقته الخاصة، ويضيف عليها بعض| الغموض| والتشويق وينسبها لنفسه كتنبؤ خاص فيه.
كما استطاع ميشيل وبذكائه واطلاعه على عدة مصادر وعدة كتب، وهكذا تبين لنا كيف كان ميشيل يبني تنبؤاته والأساس الذي كان يعتمد عليه
فقد استخدم السحر والجن والكتب السماوية القديمة والنصوص المذكورة على لسان الأنبياء والرسل، وأيضاً كان يستخدم كتب الكهُّان الموجودة قبل الإسلام.
وكان لدى ميشيل أدواته الخاصة وإضافاته التي لا علاقة لها بما ذكرناه سابقاً
فبعد ما أقنع من حوله بأنه يعلم بالمستقبل باستخدام الأدوات السابقة، وقد كان يرمي تنبؤات جزافاً من عنده، اعتماداً منه على مناخ منطقة ما بما يخص المناخ وغيرها الأمور من هذا القبيل.
واستخدم أيضاً طريقة أخرى بالتنبؤات، وهي طريقة المتوسط الحسابي، فهو يبني العديد من التكهنات ولابد من أن يحدث بعض منها، فقد كان يتوقع حدوث حروب وموت ملوك وانتصارات وهزائم وكلها أمور قابلة للحدوث بوقت ما.
وكان ميشيل يكتب تنبؤاته بشكل ألغاز مبهمة، مثل تنبؤه في الرباعية رقم ١٩، والتي تم تفسيرها باحتلال اليهود لفلسطين
" قادمون جدد سيبنون مدن بلا دفاعات، ويحتلون أماكن غير قابلة للسكن، وبسعادة سيضعون أيديهم على الحقول والمنازل والأراضي والمدن، فيما بعد سيكون في هذه الأرض مجاعات وأمراض وحروب، وستسمر طويلاً".
ومن الممكن أن تفسر على أنها احتلال أمريكا لأفغانستان أو احتلال روسيا لدول في شرق آسيا، فمن الممكن أن تفسر على أي بلد تعرض للحرب او الاحتلال.
واكتشف بعض المدققين بالتاريخ أنه كان قد سرق العديد من نبوءاته وتوقعاته حول المستقبل من أناس سبقوه بمئات السنين، وهناك العديد من نبوءاته لم تتحقق أبداً
مثال على ذلك حيث تنبأ حدوث الحرب العالمية الثالثة في عام ٢٠٠٢، ولكنها لم تحدث.
ليس هناك أحد يعلم بالغيب إلا الله تعالى...
"كذب المنجمون ولو صدقوا"
تهاني شويكي
