مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/14/2022 10:58:00 م

رحلة بحث في فكر اسبينوزا وآرائه
رحلة بحث في فكر اسبينوزا وآرائه
تصميم الصورة : وفاء المؤذن
 
عندما سُئل هيجل عن رأيه باسبينوزا قال: "إما أن تكون اسبينوزياً وإما ألّا تكون فيلسوفاً على الإطلاق"، فمن هو اسبينوزا؟ وما الذي فعله لكي يستحق هذا الثناء من أحد أعمدة الفلسفة المعاصرين؟ 

من هو اسبينوزا؟

هو فيلسوفٌ هولندي من أصلٍ برتغالي، واسمه |باروخ اسبينوزا|، ولد في 24\11\1632 في العاصمة الهولندية |أمستردام|، لعائلة يهودية هاجرت من البرتغال بسب الاضطهاد الديني، وكانت وفاته في 21\2\1677 في لاهاي.

يُعتير اسبينوزا من أشهر فلاسفة القرن السابع عشر، وقد تميّز بفكره الحر ودعوته إلى تحرير العقل من كل القيود، وكانت باكورة أعماله كتاب "|مبادئ الفلسفة الديكارتية|"، الذي لخّص فيه بأسلوبٍ مميز، كل تجربة ديكارت وفلسفته.

 ولكن أول عملٍ مستقلٍ له "|كان رسالة في تهذيب العقل|"، تناول فيها مفهومه للمعرفة وأشكالها، وناقش الطرق الممكنة لتحقيق الفهم الصحيح لما هو خيرٌ للإنسان، وقد رأى بأن الخطوة الأولى تكمن في تحرير الإنسان من الأوهام والأخطاء، واعتقد بأنه لا توجد فروقات بين الثنائيات التي طرحها ديكارت، مثل الروح والجسد، والمادة والفكر. 

أسلوب اسبينوزا في الكتابة

عندما بدأ اسبينوزا بكتابة أفكاره وتصوراته للعقل البشري وعلاقته بالطبيعة والروح والجسد، كان متردداً، فقد توقف عن كتابة عدة رسائل قبل إنهائها، ذلك لأنه خشي عدم تقبلها من الناس، كما خاف من السلطة الدينية التي كانت لا تزال في أوج قوتها وسيطرتها آنذاك، فقرر أن يعيد صياغة أفكاره بأسلوبٍ هندسي، لا يستطيع رفضه أحد، فانطلق من المسلمات، ثم وضع الفرضيات، لكي يصل إلى النتائج التي يريد إيصالها للقارئ، وقد وضع معظم فكره في كتابٍ واحدٍ أسماه "|الأخلاق|"، استغرقت كتابته عدّة سنوات، ولم ينشره إلا قبل أشهرٍ قليلةٍ من موته، وبلغ به خوفه من السلطات الدينية آنذاك، أنه لم يضع اسمه على الكتاب.

 نظرة اسبينوزا للسعادة

اعتقد اسبينوزا بأن معظم البشر يسعون لنفس الأهداف بشكلٍ أو بآخر، وهي الشهرة والمتعة والمال، ظناً منهم بأن هذه الأشياء هي أسباب |السعادة|، ولكنه رأى بأن تلك الأشياء ليست سوى وسائل ولا يمكن أن تحقق السعادة، فالأهداف الحقيقية للإنسان يجب أن تكون السعادة والفضيلة والحياة الكريمة، ولذلك يجب أن تنسجم الطرق المتبعة لتحقيق هذه الأهداف معها، وعليه يكون الطريق السليم لبلوغ الأهداف النبيلة عبر العقل المستنير والفكر السليم.

مفهوم اسبينوزا للمعرفة

اعتبر اسبينوزا بأن المعرفة تكمن في الإدراك الصحيح، فقسّم الإدراك إلى أربعة أنواعٍ هي: الإدراك الشائع الذي يتمثل بالمعرفة التلقائية التي نحصل عليها من البشر المحيطين بنا، والإدراك النابع من الخبرة والتجارب الحياتية الخاصة، والإدراك الذي يعود إلى معرفة الإنسان بأن الأشياء قد تنتج عن بعضها البعض دون معرفة سبب ذلك وكيفيته، والإدراك النابع من معرفة طبيعة الأشياء وماهيتها، وهذا النوع من الإدراك هو ما يجسّد المعرفة العلمية الحقيقية، وهو النوع الذي يوصلنا إلى فهم كيفية ارتباط العقل بالجسد إذا أدركنا طبيعة العقل البشري.

رحلة بحث في فكر اسبينوزا وآرائه
رحلة بحث في فكر اسبينوزا وآرائه
تصميم الصورة : وفاء المؤذن  

نظرة اسبينوزا إلى العقل والجسد

آمن اسبينوزا، على عكس ديكارت، بأن العقل والجسد شيءٌ واحد، وليسا جوهرين منفصلين عن بعضهما، وقد انطلق اسبينوزا في ذلك من مبدأ أن العقل والجسد حالتان تصفان جوهراً واحداً، وبأن لكل جسد عقله الخاص، ولكل حادثةٍ جسديةٍ حادثةٌ عقليةٌ موازيةٌ لها، فكل ما يشعر به الجسد كإحساس، يشعر به العقل كفكرة وإدراك، فالجوع مثلاً هو إحساسٌ جسدي، ولكن الرغبة في تناول الطعام شعورٌ عقلي.

العقل والإيمان حسب رؤية اسبينوزا

لقد حاول جميع الفلاسفة قبل اسبينوزا، ومعظم من جاء بعده، أن يستخدموا العقل والمنطق لإثبات صحة القضايا والأفكار اللاهوتية، ولا نجد أحداً منهم يسير في موكب اسبينوزا، رغم اقتراب فولتير وجان جاك روسو من فكره إلى حدٍ بعيد، ولكن معظم الفلاسفة حاولوا نفي التعارض بين الدين والعلم، وحتى الفلاسفة المسلمين الذين اتهموا بالإلحاد والزندقة، لم يبتعدوا كثيراً عن ذلك المنهج، اما اسبينوزا فقد رأى بأن العقل والايمان منفصلين تماماً، وأن لكلٍ منهما مجاله الخاص البعيد عن مجال الاخر.

الغاية من الفلسفة بحسب اسبينوزا

يرى اسبينوزا بأن |الفلسفة| تهدف إلى معرفة الحقيقة المطلقة، بينما يعني الإيمان الطاعة العمياء والتسليم، وتقوم الفلسفة على القوانين الطبيعية الثابتة التي نصل إليها من دراسة الطبيعة وفهمها، أما الإيمان فيقوم على التسليم بالغيبيات والكتب المقدسة، وبما أن اختصاص الفلسفة بعيدٌ عن اختصاص الإيمان، فإنّها لا تضرُّ به بحسب رأيه، وبما أن غاية الإيمان هي تهذيب الأخلاق، فلن تزعجه الفلسفة إذا كانت لا تدعوا إلى المعاصي.

المؤمن الحقيقي حسب اسبينوزا

 المؤمن الحقيقي، بحسب رأي اسبينوزا، هو الذي يدعوا الناس إلى العدل والإحسان، وهو لا يحتاج إلى الحجج العقلية ليثبت عقائده، فالعقائد مختلفةٌ ومتنوعةٌ بين الشعوب، وهي غير ثابتة، بل هي في تغيرٍ وتطورٍ مستمر، ولكن جوهر الإيمان القائم على الطاعة يبقى ثابتاً، ولذلك لا يتوجّب على العقل أن يتدخّل في إثبات صحّة العقائد، فتلك ليست وظيفته، بل وظيفته هي اكتشاف القوانين الطبيعية.

ورغم ذلك يرى اسبينوزا بأن الإيمان ضروريٌ لقيادة عامّة الناس، الذين لا يستطيعون الوصول إلى المبادئ الأخلاقية عن طريق العقل والفلسفة، فلا بد لهم ممن يقودهم إليها، والإيمان هو خير من يفعل ذلك. 

أهم أعمال اسبينوزا

ترك لنا اسبينوزا عدداً قليلاً من المؤلفات، لكنها رغم قلتها، تركت أثراً عميقاً في الفكر الفلسفي الذي تلاه، ولاسيما كتاب "الأخلاق" الذي يجسّد كلّ أفكار اسبينوزا ومفاهيمه، أما كتابه "|رسالةٌ في اللاهوت والسياسة|"، فهو رسالةٌ نقديةٌ حول العلاقة بين الدين والسياسة، والعلاقة بين الدولة والمؤسسة الدينية، وأكد فيه على أن الحرية الدينية والفكرية هي ضرورةٌ ملحّةٌ في الدولة الديموقراطية.

 أما في كتاب "|رسالةٌ في السياسة|" فقد وضع اسبينوزا نظرته الخاصة ونظريته حول الحقوق المدنية الطبيعية للإنسان، كما وضّح أهمية |النظام الديموقراطي|، وتناول الأنواع المختلفة للحكومات. 

إذا رغبت بنشر أفكار اسبينوزا فشارك المقال.  

سليمان أبو طافش

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.