مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/16/2022 05:43:00 م
امرأة ماتت وعادت للحياة- الجزء الثالث- تصميم الصورة وفاء مؤذن
امرأة ماتت وعادت للحياة- الجزء الثالث
 تصميم الصورة وفاء مؤذن
- تحدثنا فيما الجزء السابق كيف أصبحت دورثي تشعر بالانتماء إلى مكان آخر بعيد كل البعد عن المكان الذي ولدت فيه، سواء من حيث الدين أو الثقافة وحتى التاريخ والعادات، فهو مختلف اختلاف كُلي عن أصولها. 

قصة دورثي مع معبد الفرعون سيتي 

- وبعد أن اعتبرت نفسها كانت تتقن |الهيروغليفية| برموزها ومعانيها، وقع نظرها في إحدى الأيام على صورة لبقايا |معبد الفرعون سيتي الأول|، والذي كان موجود في مدينة أبيدوس المصرية القديمة، وكلما رأت هذه الصور كانت تشير بيدها وتقول هذا منزلي. 

- كان المعبد عبارة عن مبنى كبير، يوجد فيه أعمدة  يشبه تماماً المبنى الذي كانت تراه في أحلامها، وكانت مقتنعة بأن هذا هو نفس المكان الذي تراه، وكانت تبحث عن الحديقة التي كانت تراها في حلمها، وتسأل أين الأشجار والمكان الساحر، وكأنها لم تستوعب أن هذا المكان عمره آلاف السنين، وإذا كانت موجودة بالفعل سابقاً، فمن الطبيعي أن تختفي بعد مرور كل هذه السنوات. 

- وأيضاً كانت ترى صور لمومياء الفرعون سيتي الأول، وكان مؤسس هذا المعبد، وكانت تدعي بأنها تعرفه شخصياً، واستمرت دورثي تتعمق أكثر في الحضارة المصرية، وتدرس وتبحث عنها أكثر فأكثر خلال سنوات حياتها، وأصبحت قادرة على قراءة وكتابة الرموز الهيروغليفية، واكتسبت خبرة في الثقافة والحضارة المصرية القديمة في عمر صغير جداً. 

الكابوس الذي كان يؤرقها 

- واستمرت دورثي برؤية تلك الأحلام التي تعلقت بها بشدة، ولكنها أصبحت ترى كابوس متكرر، حيث كان ترى نفسها في مكان مظلم ويقف أمامها |كاهن معبد|، والواضح من شكله أنه كان كبير الكهنة هكذا كان تصورها عنه، وكان يسألها ويستجوبها بطريقة قاسية وعنيفة، وفي كل مرة كانت ترفض الإجابة وترفض أن ترد عليه ولو بكلمة، وفي كل مرة كان يضربها بشدة أكثر، ومن خلال أحداث القصة سنفهم سر هذا الكابوس. 

- زواجها في عمر السابعة والعشرين 

بسبب بحوثها ودراستها عن الحضارة المصرية القديمة، أدت هذه الظروف إلى التقائها برجل مصري يدعى إمام عبد المجيد، والذي كان يعمل كمدرس للغة الإنكليزية في ذلك الوقت، وعندما التقى بها وقع في حبها وطلب منها الزواج به، والتي وافقت على الفور من دون تردد ولا أحد يعرف سبب قبولها الزواج منه، هل حباً به أم لأنه من أصول مصرية وبذلك سوف تتاح لها الحياة في مصر بطبيعة الحال، والتي كانت تعتبرها موطنها الأصلي بالرغم من أنها لم تسافر إليها طول حياتها، والجواب الحقيقي ظل سراً. 

- وصولها إلى مصر 

بعد أن تزوجت دورثي وسافرت إلى مصر، وفي اللحظة الأولى من وصولها نزلت على الأرض وقبلتها، وقالت أخيراً وصلت لمنزلي. وبعد فترة قصيرة رزقت هي وزوجها بطفل وأصرت على أن تسميه سيتي تيمناً بالفرعون سيتي الأول. 

وبسبب ذلك أُطلِق عليها لقبها الأشهر أم سيتي، 


قصتها مع الروح المصرية القديمة. 

- بعد مرور فترة على وجودها في مصر، بدأت تدعي بأن هناك روح مصرية قديمة تزورها في أحلامها، ويطلق عليها اسم حور راع هذا ما أخبرتهم به دورثي، وقالت بأن هذه الروح في الواقع هي روح الفرعون سيتي الأول. 

- حيث بدأت هذه الروح تخبرها عن حياتها السابقة، ولم تكن هذه الروح تزورها في الأحلام فقط، بل كانت تتهيأ لها في الواقع وتراها، وكأنها في حالة من الوعي واللاوعي في نفس الوقت، مثل الشخص الذي يمشي في نومه. 

- كانت تكتب كل ما تقوله لها هذه الروح على ورق باللغة الهيروغليفية، حتى عندما يحاول زوجها أن يناديها وهي تكتب كانت لا تستجيب أبداً، وكأنها في عالم آخر بعيد كل البعد عن عالمها ومعزول عن العالم الحقيقي. 

القصة التي أخبرها بها حور راع 

- كتبت دورثي حوالي سبعين صفحة باللغة |المصرية القديمة|، تصف فيها القصة التي كان حور راع يسردها عليها حسب ادعاءها. حيث تقول القصة: أن روح دورثي الملقبة بأم سيتي هي روح كاهنة مصرية قديمة من عصر |الفراعنة| اسمها بنت رشيد، وقصة هذه الكاهنة أن عائلتها تركتها عندما كانت طفلة على باب المعبد، وعندما بلغت عمر الثانية عشر خبرها كاهن المعبد، إما أن تغادر المعبد وتعيش حياتها بحرية دون تدخل أحد أو أن تظل كاهنة في المعبد بشرط أن تقسم وتنذر النذور بأنها ستبق عذراء مدى حياتها. 

-وبما أنها كانت طفلة صغيرة في ذلك الوقت، وكان شبه مستحيل أن تحيا لوحدها وهي لم تعرف شيء في هذا العالم سوى المعبد، فقررت أن تبقى في المعبد وتقطع النذور والعهود على أن تبقى عذارء. 

- ولكن بعد ذلك بعدة سنوات، التقت بالفرعون سيتي الأول ووقعوا في حب بعضهما البعض، وهذا الحب بينهما جعلهم يقعون في الحرام. وبعد فترة قصيرة اكتشفت أنها حبلى بطفله، وعندما علم الكاهن بهذا الخبر قام بسجنها في قبو المعبد، وخضعت للاستجواب أمام الكاهن الأعلى في المعبد والذي قطعت أمامه العهود بأن تحافظ على عذريتها. 

- وبدأ الكاهن يستجوبها ويسألها عن الشخص الذي تحمل طفله، لكنها رفضت أن تتكلم حتى لا تفضح الفرعون سيتي الأول، واستمر الكاهن في استجوابها عن طريق الضرب والتعنيف لفترة طويلة. وهو نفس المشهد الذي كانت تراه على شكل كابوس في أحلامها وتستيقظ وهي تبكي وتصرخ. 

- وكانت نهاية الكاهنة بنت رشيد أنها فضلت قتل نفسها والانتحار على أن تفصح عن اسم الشخص الذي تحمل طفلها منه، حفاظاً على سمعة الفرعون سيتي الأول. 

وهذه هي القصة التي رواها حور راع لأم سيتي خلال سنة كاملة، عندما كان يزورها في أحلامها، وكانت تكتبها على ورق باللغة |الهيروغليفية|. 

ردة فعل زوجها على مايحدث معها. 

- أصابت زوجها حالة من القلق والخوف من أم سيتي، وخصوصاً عندما كانت تراودها تلك الأحلام والتجليات، وبسبب ما كان يصيبها قرر الإمام عبد المجيد الانفصال عنها. وبعد أن انفصلت أم سيتي عن زوجها ظل ابنها معها، وانتقلت إلى محافظة الجيزة في منطقة تدعى " نزلة السمان"، والتي تقع بالقرب من |الأهرامات المصرية|، وفي تلك الفترة التقت بعالم الآثار المصري الدكتور سليم حسن، والذي يعتبر أحد أشهر علماء التاريخ في مصر، والذي أصابته الدهشة من معرفتها العميقة بالحضارة المصرية القديمة. 

- حياتها المهنية مع الدكتور سليم حسن 

- عندما رأى مدى إطِّلاعها ومعلوماتها الثقافية عن |الحضارة المصرية|، قرر أن يوظفها عنده كمساعدة، وبذلك تكون أم سيتي أول امرأة تتوظف في قسم الآثار المصرية، وبسبب المكان الذي تواجدت فيه تمكنت من الالتقاء بالعديد من علماء الآثار المصريين وكونت علاقات كبيرة معهم. 

-وبعد وفاة عالم الآثار الكبير الدكتور سليم حسن، توظفت دورثي عند عالم آثار آخر اسمه أحمد فخري، والذي كان يطلق  عليه لقب "شيخ الأثريين" في ذلك الوقت من شدة ثقافته ومعرفته في هذا المجال. وقام بتخيير أم سيتي بين وظيفتين الأولى في مكتب سجلات الآثار في القاهرة وكانت  بمردود مادي جيد، أما الوظيفة الثانية كانت رسامة أثرية في أبيدوس معبد الفرعون سيتي الأول. المبنى الذي طالما اعتبرته منزلاً لها، وطالما كانت تشعر بالحنين إلى ذلك المكان. 

-وبدون تردد اختارت أن تكون رسامة في معبد أبيدوس بالرغم من المردود المادي الضئيل، ومجرد ما دخلت المعبد قالت من المؤكد أنني كنت أعيش هنا، وكانت تتكلم عن معرفتها لهذا المكان وخباياه. 

 الاختبار الذي خضعت له أم سيتي. 

- قرر رئيس قسم الآثار في المعبد، أن يجري لها اختبار ليتأكد إذا كانت تعرف المكان كما تدعي، وبالطبع كانوا على علم بقصتها الغريبة وماتدعيه، حيث كانت منتشرة ما بين المختصين وعلماء الآثار. 

- تم أخذها إلى غرفة مظلمة وجعلوها تقف أمام لوحات جدارية، وطلبوا منها أن تتعرف على هذه اللوحات من غير أن تراهم، فكان يجب عليها أن تتعرف عليهم من خلال المكان الموجودة فيه، وبالفعل تمكنت أم سيتي من التعرف على جميع اللوحات. وقد يقول أحدهم أنها ربما دخلت المعبد من قبل، ولكن حسب المعلومات الموثقة بأنها كانت أول زيارة لها للمعبد، ولم يتم نشر أي معلومات عن هذه اللوحات سابقاً. 

الاكتشافات التي ساهمت بها أم سيتي 

- استمرت أم سيتي في عملها في المعبد بعد تلك التجربة لعدة سنوات، حتى أنها ساهمت في العديد من الاكتشافات في المعبد، وأهم انجاز قامت به هو أنها حددت موقع الحديقة التي كانت دائماً تراها في أحلامها، والتي اختفت بعد مرور آلاف السنين على هذا المكان، وأخبرتهم بأن لقائها الأول مع الفرعون سيتي كان في هذه الحديقة، وبالفعل بعد قيامهم بالحفر في ذلك المكان، وجدوا آثار الحديقة مدفونة تحت هذا المكان وكانت بنفس الوصف ونفس توزيع الأحجار. 

- ساهمت أيضاً في اكتشاف أنفاق تحت الجانب الشمالي من المعبد، حيث أخبرتهم بأن يحفروا ووصفت لهم ماذا سوف يجدون، وبالفعل وجدوا أنفاق بنفس الوصف تماماً. 

- وساهمت في اكتشاف آخر وهو ضريح في أحد أماكن المعبد،  كانوا يسمونه |وادي الملوك|. 

- كان أمر أم سيتي محير على جميع المستويات، علماء الآثار لم يكن لهم القدرة على استيعاب ما فعلته، وبنفس الوقت لم يكن لديهم أي استعداد على قبول كلامها، بأن بداخلها روح الكاهنة الفرعونية القديمة التي عاشت في هذا المعبد. ولم يكن لديهم أي تفسير للاكتشافات التي ساهمت بها. 

وفي الختام فقد كانت أم سيتي ظاهرة محيرة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبشهادة الكثير من علماء الآثار المصريين، وكانت تتمنى أن تدفن في هذا المعبد بعد وفاتها، وبنت ضريح لها وطلبت أن تدفن فيه، ولكن بعد أن توفيت في عام ١٩٨١ رفضت السلطات المصرية أن تحقق لها رغبتها، وتم دفنها في الصحراء في إحدى المقابر القبطية. 

وفي الحقيقة لم يعرف أحد ما هو التفسير المنطقي لقصة أم سيتي والأحداث التي حصلت معها، فهل كانت ضربة حظ، أم أنها سلسلة من الخدع، ما رأيكم في الموضوع شاركونا رأيكم. 

بقلمي: تهاني الشويكي

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.