مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/12/2022 01:20:00 م

حكاية الولد الفاشل بنظر أبيه، وكيف أصبح حوتاً
حكاية الولد الفاشل بنظر أبيه، وكيف أصبح حوتاً 
تصميم الصورة ريم أبو فخر 

رغم أن الثورة الصناعية قد بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر،إلّا أن حركة نموّها وتطوّرها لم تكن سريعةً بالشكل الذي نراه اليوم، فقد بقيت الدول العظمى تعتمد على الزراعة والتجارة في اقتصادها حتى مطلع القرن العشرين، وكان الاستثمار الجيد يتجّه نحو بناء الآلات والمعدات الزراعية، أو ما يساهم في تطوير الزراعة بشكلٍ ما، فقام "بنيامين هولت" وأخوه بإنشاء شركةٍ لتطوير وبيع قطع غيار الآلات الزراعية في عام 1883.

تقسيم العمل بين الأخوين:

تولّى "بنيامين" أمور التصاميم والأفكار الجديدة ومسائل تطوير المنتجات والمعدات، بينما استلم شقيقه مهمة إدارة الشركة وأمورها المالية والتجارية، ولكن سرعان ما أصبح بنيامين هو مدير الشركة ورئيسها وصاحبها الوحيد.

دمج الآلة بالحيوانات:

لم تكن الآلات قد أخذت مكان الحيوانات في الأعمال الزراعية حتى ذلك الوقت، وبسبب الإمكانات المحدودة للحيوانات، ومتطلباتها الخاصة من طعامٍ ومأوى وعنايةٍ صحية، فإن الكثير من الأراضي الأمريكية لم يكن مستثمراً

 وكان المزارعون يرغبون بالحصول على وسائل أفضل وأسرع لمختلف الأعمال الزراعية، فقام "بنيامين هولت" بتطوير آلةٍ للحصاد يجرّها حوالي عشرين حصاناً، وقد وجدت آلته الجديدة إقبالاً جيداً بين المزارعين.

بدء استخدام المحركات:

في سنة 1989، ظهر أمام "بنيامين" منافسٌ جديد، فقد استطاع "دانيال بيست" أن يصنع آلة حصادٍ تعمل بالمحرك البخاري، فتحوّل المزارعون عن آلة "بنيامين" إلى الآلة الجديدة، التي ستوفر عليهم الكثير من الجهد والوقت، كما ستوفر عليهم كلفة تربية الحيوانات والعناية بها

 ومع توفر المزيد من الوقت والطاقة، فقد استطاع المزارعون استثمار المزيد من الأراضي وجني المزيد من |الأرباح| بتكاليف أقل.

ثورة محركات الاحتراق الداخلي:

لم يستطع "بنيامين" الوقوف مكتوف اليدين، فأنتج آلته الخاصة باستعمال المحرك البخاري، بعد "بيست" بسنةٍ واحدة، ثم سرعان ما استبدل المحرك البخاري بمحرك الاحتراق الداخلي العامل بالبنزين بعد سنةٍ من ذلك

 فاشتدّت المنافسة بينه وبين "دانيال بيست"، ولكن المشكلة الحقيقة التي واجهتها جميع تلك الآلات كانت في كبر حجمها ووزنها

 فكثيراً ما كانت تعلق في الأرض، وكان إنقاذها يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين، فاختار الكثير من المزارعين العودة إلى استخدام الحيوانات التي وجدوا التعامل معها أسهل.

 أفكارٌ جديدةٌ خلاقة:

وجد "بنيامين" فكرةً ذهبيةً باستعمال الجنازير ووضعها حول العجلات لكي يحمي آلاته من الانغماس في الأرض، ولعله نقل هذه الفكرة من إحدى الشركات البريطانية، أو أخذها من شخصٍ ما، ولكن بغض النظر عن صاحب الفكرة الأصلي، فإن "بنيامين هولت" هو أول من استخدمها مع الآلات الزراعية

وفي نهاية عام 1904، أعلن "بنيامين" عن آلته الجديدة وقادها أمام الناس، ثم أحضر أحد المصورين لكي يبدأ بحملته التسويقية.

حكاية الولد الفاشل بنظر أبيه، وكيف أصبح حوتاً
حكاية الولد الفاشل بنظر أبيه، وكيف أصبح حوتاً 
تصميم الصورة ريم أبو فخر 

إطلاق تسمية كتربلر:

ذهب بنيامين مع المصوّر إلى إحدى المناطق المعزولة لكي يلتقطا مجموعةً من الصور مع الآلة الجديدة، لكي تكون ضمن الحملة التسويقية التي أعدها "هولت" لها، وهنا قال المصوّر بأن حركة تلك الآلة تشبه حركة اليرقة، وكلمة يرقة تعني "كتربلر"، فأعجبت التسمية "بنيامين" وقرّر إطلاقها على تلك الآلات فظهر اسم جرارات كتربلر لأول مرة. 

غزو كتربلر للعالم:

بدأت آلات كتربلر تغزو أمريكا والعالم، ولكن اسم الشركة بقي "شركة هولت"، أما آلات "دانيال بيست" فلم تتعدَ حدود سيبيريا وروسيا، وكان الفرق بين الشركتين واضحاً جداً

 ولكن ذلك لم يعنِ بأن "دانيال" وشركته قد استسلما، بل زادت المنافسة بين الشركتين، فكان انتاج "دانيال" غزيراً، وكانت أفكاره لا تنضب، حتى أنه حصل على الكثير من براءات الاختراع

ودارت بينه وبين "هولت" معارك قضائية حول براءات الاختراع استمرت لسنوات، إلى أن قررا حلَّ خلافاتهما سلمياً في سنة 1908 عندما أصبح "دانيال" عجوزاً.

الولد الفاشل بنظر أبيه:

عندما بلغ "دانيال" عمراً متقدماً (حوالي سبعين سنة)، لم يستطع الاستمرار في إدارة شركته ومنافسة "هولت" وخوض الحرب القضائية معه، ولما اعتقد بأن ابنه الوحيد "سيال بيست" ليس جديراً بإدارة الشركة من بعده، فقد عرض على منافسه القديم "هولت" أن يشتري جزءً كبيراً من شركته، على أن يبقى ثلث الشركة لابنه "سيال" لكي يديرها، فوافق "هولت" على ذلك وشعر بأن الفرصة سانحةٌ للتخلص من منافسه التاريخي فاشترى ثلثي الشركة.

رد فعل الولد الفاشل:

شعر "سيال بيست" بالإهانة، وبأن والده لا يقدّر إمكاناته، فتخلى عن حصته في شركة والده وباعه، ثم فتح شركته الخاصة، بتصاميمه وأفكاره الخاصة والمختلفة تماماً عن عمل والده وأفكاره وتصميماته، ولما أراد تسمية شركته باسمه، اعترض "هولت" عليه لأنه أصبح المالك الشرعي لشركة "بيست"، ورفع ضده دعوى قضائية، ولكنه خسرها، فكان ذاك أول انتصارٍ يحققه الولد الفاشل.

الحرب القضائية:

بعد ثلاث سنواتٍ، وفي عام 1915 تحديداً، أطلقت شركة "سيال بيست" جراراً زراعياً باستطاعة سبعين حصاناً، وذلك ما أثار غضب "هولت" واعتبره انتهاكاً لبراءات اختراعه، ولكن "بيست" الابن سارع بشراء بعض براءات الاختراع من شركةٍ أخرى، ثم رفع دعوى قضائية على "هولت" وطالبه بتعويضٍ مالي كبير.

نهاية الصراع:

بعد عدة سنواتٍ أمضاها المتنافسان في المحاكم، كانت الأحكام النهائية لصالح "سيال بيست"، فأخد من "هولت" تعويضاً كبيراً، كما حصل على الحق الحصري باستخدام جميع براءات الاختراع المتنازع عليها

 فكان ذلك بمثابة الضربة القاصمة التي أنهت الصراع بين المتنافسين إلى الأبد.

الحرب العالمية الأولى تفتح آفاقاً جديدة:

مع بداية الحرب العالمية الأولى، تواصل "بنيامين هولت" مع أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وعرض عليه استخدام الجيش الأمريكي لجراراته بدل الأحصنة

 وما أن رأى المسؤولون في الجيش الأمريكي تلك الجرارات وإمكاناتها، حتى تعاقدوا معه من أجل تزويد الجيش بكمياتٍ كبيرةٍ من تلك الجرارات، فرأى "هولت" فرصةً جيدةً لتعويض ما خسره، وحول اهتمامه نحو العمل مع الجيش وأهمل أعماله الأخرى.

حكاية الولد الفاشل بنظر أبيه، وكيف أصبح حوتاً
حكاية الولد الفاشل بنظر أبيه، وكيف أصبح حوتاً 
تصميم الصورة ريم أبو فخر 

الانتقال نحو الطلبات الخارجية:

عندما واجه الأوروبيون مشكلة اجتياز الخنادق في فترة الحرب الأولى، وبسبب عدم قدرة الشاحنات على تجاوز تلك العقبات، فقد بدأ المسؤولون الأوروبيون بالبحث عن حلول، ولم يجدوا أفضل من جرارات "هولت"

 فراحت الدول الأوروبية تشتري كل ما يمكنها من تلك الجرارات، وراح الطلب على جرارات "هولت" يتزايد بسرعة، وتزايدت معها أرباح شركة "هولت"، ولكن الأهم من ذلك، هو أن أفكار "هولت" وجراراته، هي التي مهّدت لصناعة الدبابات فيما بعد، ولكن تلك حكايةٌ أخرى، قد نرويها في مقالةٍ أخرى.

ضرورة التوسع لتلبية الطلبات:

عندما بلغت| الحرب| أشدها، زاد الطلب كثيراً على منتجات "هولت" وجرّارات كتربلر، فكان على بنيامين أن يتوسّع أكثر في أعماله، وهذا طبعاً يتطلب الكثير من الأموال، فحصل على الكثير من القروض والتمويلات من| البنوك|، وأطلق أجنحته للريح

 ولكنه لم يتمكن من التحليق بعيداً، لأن |الحرب العالمية| الأولى، سرعان ما وضعت أوزارها، فبدأت الدول تلغي عقودها وتعاقداتها مع شركة "هولت" واحدةً تلو الأخرى، وبدأ الحلم يتلاشى والحقيقة المؤلمة تتجسد أمام "هولت" وشركته.

بداية النهاية لشركة "هولت":

امتلأت مستودعات "هولت" بالمنتجات، ولم يعد يجد من يشتريها، وبدأت البنوك تطالبه بأموالها، وبما أنه قد أوقف عمله الأساسي في الجرّارات الزراعية لكي يتفرغ للطلبات العسكرية، فإن منافسيه قد ملأوا مكانه في السوق، وعلى رأسهم منافسه القديم "سيال بيست" الذي أصبحت شركته في المرتبة الأولى أمريكياً في مجالها، خاصةً بعد أن اشترى مصانع والده السابقة في فترة إهمال "هولت" لها وانشغاله عنها.

نشأة شركة كتربلر:

في خضم المشاكل الكثيرة التي وجد "هولت" نفسه فيها، سرعان ما تدهورت حالته الصحية ودخل المشفى، ثم فارق الحياة بعد شهرٍ واحد من ذلك، فأصبحت شركته على وشك الانهيار في ظل غياب قائدٍ لها

 وفي ظل الركود الاقتصادي الذي ساد الولايات المتحدة الأمريكية حتى سنة 1923، وهنا وجد "سيال بيست" فرصته للاستحواذ على شركة "هولت" وعلامة كتربلر التي أصبحت عالمية

 فاندمج مع شركة "هولت" تحت اسم شركة "كتربلر" وأصبح أول رئيسٍ للشركة الجديدة التي دخلت التاريخ من أوسع أبوابه.


توفي "سيال بيست" سنة 1951، ولكنه استطاع بناء شركةٍ عالميةٍ عملاقةٍ لا زالت قائمةً وناجحةً حتى الآن، وقد بقي على رأس تلك الشركة لأكثر من ربع قرن، لكي يثبت لنفسه ولوالده بأنه ليس الابن الفاشل الذي تصوّره والده

 فهل يمكن تعميم حكاية هذا الولد الفاشل الذي أصبح حوتاً في عالم الصناعة والاقتصاد؟ 

أم أنه مجرد طفرةٍ أو حالةٍ استثنائيةٍ لا تتكرر؟

ننتظر آراءكم.

سليمان أبو طافش 

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.