مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/02/2022 10:47:00 ص

القوى الأربعة التي تحكم عالمنا
 القوى الأربعة التي تحكم عالمنا  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
منذ أن بدأ الانسان ينظر حوله ويلاحظ الأشياء والتغيرات الكثيرة التي تملأ عالمه، بدأ يبحث عن التفسيرات الممكنة لكل ما يدور حوله، فاستطاع منذ القدم أن يجد الكثير من التفسيرات العلمية والمنطقية لكثيرٍ من الظواهر، ولكن الظواهر التي لم يفهما أو عجز عن تفسيرها، ربطها بأسبابٍ غيبةٍ وقوى خارقة، ومع تطور العلم واتساع آفاق المعرفة، أصبح الكثير من الألغاز المحيّرة مفهوماً، واستطعنا تفسير الكثير من الظواهر التي عجز الأقدمون عن تفسيرها، ولكن هذا لا يعني بأن العلم قد فسّر كلَّ شيء، فلا زال الكون يدهشنا في كل يوم.

ما هي القوى المتحكمة في العالم؟

اكتشف الانسان منذ القدم مجموعةً من القوى التي تؤثر في الأشياء من حوله، فكانت الجاذبية من أقدم القوى التي لاحظها الانسان، ولكن تفسيرها ظل غامضاً لعقودٍ طويلة، كما اكتشف القوة الكهربائية و|القوة المغناطيسية|، ومع الوقت أدرك بأنهما وجهان لعملةٍ واحدة، فأصبح يُطلق عليهما معاً اسم |القوة الكهرومغناطيسية|، ومع تطوّر العلم اكتشف الانسان ما يُعرف بالقوى النووية، وصنّفها إلى قسمين: قوى نووية ضعيفة، وقوى نووية قوية.

هل تلك القوى منفصلة عن بعضها؟

أصبحت القوى الأربعة التي عرفها الانسان مجال بحثٍ وتدقيق، وظهرت بعض النظريات التي تحاول توحيد جميع القوى في قوةٍ واحدة، فكما استطعنا دمج القوتين الكهربائية والمغناطيسية معاً، فقد تمكن العلماء أيضاً من توحيد القوى النووية في قوةٍ واحدة، عندما أدركوا آلية عملها، ومع الوقت تبيّن بأن القوى النووية لا تبتعد كثيراً عن القوى الكهربائية والمغناطيسية، فاستطاع العلماء توحيد تلك القوة في قوةٍ واحدة، وبقيت الجاذبية القوة المستقلة الوحيدة، حتى ظهرت نظريةٌ تسمى "|نظرية M|" في محاولةٍ لتوحيد كل تلك القوى في قوةٍ واحدة.

قوة الجاذبية حسب قوانين نيوتن

لا زالت الجاذبية حتى الآن غير مفهومةٍ بالشكل الكامل، فقد حاولت قوانين نيوتن فهم الجاذبية وتفسيرها، ورغم أنها كانت دقيقةً جداً وصالحةً للكثير من التطبيقات، إلا أنها عجزت عن تفسير بعض الظواهر التي تبديها الأجسام الدقيقة، فجاءت نظرية النسبية العامة لتضع تصوراً جديداً للجاذبية، وقد وصفت قوانين نيوتن الجاذبية بأنها قوى متبادلة بين كتلتين، وهي قوة جذبٍ دائماً، وقيمتها تتناسب طرداً مع الكتلتين المتجاذبتين، وعكساً مع مربّع البعد بينهما.

الجاذبية هي القوة الأضعف ولكنها القوة الأكثر تأثيراً في الكون

رغم أن الجاذبية هي أولى القوى التي اكتشفها الانسان وأشهرها، فإنها القوة الأضعف بينها جميعاً، ولو أنها أكبر مما هي عليه بقليل لتغيّر كل شيءٍ في هذا الكون، وربما لم تكن الحياة موجودةً على الأرض مطلقاً، فلو تضاعفت قوة الجاذبية مرةً واحدة فقط، فإن القوى في قلب النجوم ستصبح أكبر، فتصبح التفاعلات والاندماجات النووية أسرع وأشد، وهذا يعني أن استهلاك النجم لوقوده من |الهيدروجين| سيزداد، وسينفذ الوقود بسرعةٍ وستصبح حياة النجم أقصر بكثير.

القوى الأربعة التي تحكم عالمنا
 القوى الأربعة التي تحكم عالمنا  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
  
عرفنا بأن الجاذبية هي القوة الأضعف في الكون، ولكنها رغم ذلك ضروريةٌ جداً لتماسك الكون وتأمين الظروف المناسبة لنشوء الحياة في أي مكانٍ من هذا العالم.

الحياة على الأرض كانت ستنعدم لو زادت قوة الجاذبية

عند زيادة شدة التفاعلات النووية في الشمس، فإن شدة الحرارة والضوء الصادرة عنها ستصبح أعلى بكثير، ما يعني أن الحرارة التي ستتلقاها الكواكب و|الأجرام المحيطة| بالشمس ستتضاعف كثيراً، أي أن الحرارة على الأرض سترتفع كثيراً، ما سيؤدي إلى تبخّر كل المياه الموجودة عليها (إن وجدت أصلاً)، وستنعدم بالتالي أية فرصةٍ لنشوء الحياة عليها، وربما كانت الحرارة قادرةً على تغيير شكل الأرض ومكوناتها أيضاً، فنحن إذاً ندين للجاذبية بوجودنا على الأرض. 

 قوة الجاذبية حسب نظرية النسبية العامة

رأى نيوتن أن الجاذبية ليست مجرّد قوى بين الكتل، فالضوء مثلاً عديم الكتلة، ولكنه يتأثر بالجاذبية، فوضع |أينشتاين| تصوّراً جديداً للجاذبية، يُعرف بانحناء الزمان والمكان (نسيج الزمكان) بسبب وجود كتلةٍ ما في مكانٍ ما، وكلما زادت تلك الكتلة، زاد تأثيرها على نسيج الزمكان، فإذا بلغت مقداراً معيناً، أصبحت الكتلة قادرةً على ابتلاع كل شيء، حتى الضوء، وبذلك تنبأ أينشتاين بوجود الثقوب السوداء، كما تنبأ بوجود موجات الجاذبية، ولكن رصد ما تنبأ به أينشتاين احتاج إلى قرنٍ من الزمن حتى أصبح حقيقةً مؤكدة.

القوى النووية الضعيفة

لا تتمتع هذه القوى بالكثير من الشهرة، بسبب انعدام ملاحظتها في حياتنا العادية، ولكنها تؤثر كثيراً في هذا الكون، وعلى حياتنا مباشرةً، فهي السبب الرئيسي لانفجار النجوم بعد استهلاكها للوقود، فبعد أن يتحول كلُّ الهيدروجين في النجم إلى |هيليوم|، تبدأ ذرات الهيليوم بالاندماج مع بعضها لتنتج عناصر أخرى، وتستمر هذه العملية حتى يتحول قلب النجم إلى حديد، عندها يتوقف النجم عن إصدار الطاقة، لأن اندماج الحديد لا يولّد أية طاقة، فيبدأ النجم عندها بالانضغاط على نفسه.

كيف تحدث ظاهرة السوبر نوفا؟

يستمر النجم بالانضغاط على نفسه، فتزداد كثافته بشكلٍ هائل، وعند قيمةٍ معينةٍ لتلك الكثافة تقوم القوى النووية الضعيفة بدمج الالكترونات مع النيوترونات متحولةً إلى بروتونات تدفع كل المادة في قلب النجم نحو الخارج، فينفجر النجم بقوةٍ هائلة تعرف بظاهرة السوبر نوفا، وعندما ينفجر النجم تنتشر كل العناصر التي كانت حبيسةً في داخله إلى مساحاتٍ شاسعةٍ من الكون، ومن هذه العناصر: الكالسيوم والفوسفور والكبريت والصوديوم والمغنيزيوم، وغيرها الكثير.

لا حياة على الأرض لولا القوى النووية الضعيفة

تنتشر العناصر التي كانت حبيسةً في النجم إلى جميع أرجاء الكون، ثم تستقر على الكواكب والأجرام السماوية الأخرى، وكل العناصر الموجودة اليوم على سطح الأرض مصدرها النجوم، فتلك العناصر لا يمكنها أن تتشكل على الأرض، ولكنها ضروريةٌ جداً لأجسام جميع الكائنات الحية، ولذلك يمكن القول بأن انفجار النجوم ضروريٌ لنشأة الحياة واستمراها، وبالتالي ما كانت الحياة لتوجد على الأرض لولا القوى النووية الضعيفة التي سببت انفجار ملايين النجوم منذ نشأة الكون.

القوى الأربعة التي تحكم عالمنا
 القوى الأربعة التي تحكم عالمنا  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
بعد أن تعرفنا على القوى النووية الضعيفة وأهميتها في نشأة الحياة واستمرارها، سنتعرف الآن على القوى النووية القوي، والتي لا تقل أهميةً عن سابقتها.

القوى النووية القوية

تعتبر هذه القوى أشد القوى المعروفة على الإطلاق، فهي التي تؤدي إلى تماسك نوى الذرات، فكما نعلم جميعاً، فإن نوى الذرات تتكون من بروتونات ونيوترونات، ومن الطبيعي أن تتنافر البروتونات مع بعضها لأن لها نفس الشحنة الكهربائية الموجبة، ولكن القوى النووية التي تربطها ببعضها أقوى بكثير من القوة الكهربائية، فتبقى متماسكة، وقد استطاع الانسان استغلال تلك القوى فيما يُعرف اليوم بالمفاعلات النووية.

أنواع التفاعلات النووية

تنقسم التفاعلات النووية إلى نوعين، فهناك تفاعلات الاندماج وتفاعلات الانشطار، وتقوم جميع المفاعلات النووية المعروفة حتى الآن لتوليد الطاقة من تفاعلات الانشطار النووي، فعند قذف نواة الذرة بجسيمٍ سريعٍ كالفوتون مثلاً، فإنها تنشطر إلى قسمين، ويتحول جزٌ من كتلتها إلى طاقة، أما تفاعلات الاندماج النووي فهي تحتاج إل درجاتٍ عاليةٍ جداً من الحرارة والضغط، ولذلك لم يتمكن الانسان من توليدها واستثمارها حتى الآن، ولكن قطع أشواطاً بعيدة في هذا المجال.

القوى الكهرومغناطيسية

كان العلماء يفصلون بين القوة الكهربائية والقوة المغناطيسية، حتى اكتشف العالم "فاراداي" أن التيار الكهربائي يولّد حقلاً مغناطيسياً، فأدرك العالم بأن هاتين القوتين هما في الحقيقة قوةٌ واحدة، وتُعتبر القوة الكهرومغناطيسية هي القوة المسؤولة عن ترابط الالكترونات مع النواة، وبدونها لما كانت الذرات موجودةً بالشكل الذي نعرفه، وقد تبين لاحقاً بأن الحقل المغناطيسي يولد في أي ناقلٍ للكهرباء تياراً كهربائياً، فأصبح التأثير بين القوتين الكهربائية والمغناطيسية متبادلاً ومتلازماً فظهرت الكثير من التطبيقات المبنية على تلك الحقيقة.

حياتنا أصبحت معتمدةً على اختراعاتنا

استطاع الانسان استثمار القوة الكهرومغناطيسية في كثيرٍ من المجالات، فهي أساس جميع التطبيقات والأجهزة الكهربائية والالكترونية المعروفة، ولولا تلك القوى لما بلغ الانسان ما بلغه من تطورٍ في مختلف مجالات العلوم والتقنيات، ولعل حياتنا اليوم تعتمد كثيراً على تلك القوى، فما من جهازٍ نعرفه أو نستخدمه إلا ويعتمد على تلك القوى، ومع زيادة الاكتشافات والاختراعات، أصبحت المعرفة أكبر وتسارعت خطوات البشر نحو مستقبلٍ معتمدٍ بشكلٍ كبيرٍ على الأجهزة والتقنيات الحديثة.

لقد تمكّن الانسان في القرون الثلاثة الماضية من قطع أشواطٍ بعيدة على مختلف الأصعدة، فقد كثرت الاكتشافات وتتالت وتسارعت بشكلٍ لم يحدث من قبل، كما تنوعت الاختراعات وعمّت مختلف المجالات، حتى استطاع الانسان أن يقضي على الكثير من الأمراض، وأن يحسّن كثيراً في طرق حياته ونوعية غذائه، فارتفع متوسط عمر الانسان، ولكن كلَّ ذلك لم يجعل البشر أكثر سعادةً، بل خلق لهم مشاكل من أنواعٍ جديدة، فهل هذه المشاكل هي ضريبة التطور؟ أم أنها نتيجة أطماع الانسان وبعده عن الإنسانية؟

 ننتظر منكم الإجابة في التعليقات.

سليمان أبو طافش


إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.