مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/04/2022 03:10:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
استكمالاً لما ورد بالمقالة السابقة

بعد الكلام الذي قاله الرجل المسيحي لسيدنا سلمان عن النبي المنتظر قرر البدء برحلة البحث عن المكان الموصوف له للانتقال إليه والبحث عن النبي هناك.  

رحلة سلمان الفارسي في الوصول إلى المدينة المنورة

 صادف سلمان في أحد الأيام قافلةً عابرة فسألهم عن وجهتهم فأخبروه بأنهم ذاهبون إلى جزيرة العرب، فاقترح عليهم أن يأخذوه معهم إلى هناك مقابل أن يعطيهم كل ما يملك، وبالطبع وافقوا علي عرضه وأخذوه معهم، استمروا في المسير إلى أن وصلوا إلى مكانٍ يسمى وادي القرى، وهناك اجتمعوا عليه وخانوا وعدهم له وباعوه لرجلٍ من اليهود. 

ظلَّ سلمان على ذلك الوضع مستعبداً في وادي القرى عند سيده اليهودي لفترةٍ طويلة من الزمن، وفي إحدى المرات اشتراه يهوديٌّ من |بني قريظة| من سيِّده وأخذه معه، وكما نعلم إن يهود بني قريظة كانوا يقطنون يثرب فعندما وصل سلمان إلى مشارف يثرب لفته مظهرها وأخذ يطابق أوصافها مع الأوصاف التي ذُكرت له من قبل الرجل المسيحي فوجدها مطابقةً فقال في وصف ذلك المشهد: "فَوالله ما إنْ رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وُصفت لي" فعرف أنه وصل إلى المدينة المطلوبة، ولكن في ذلك الوقت لم يكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة بعد.  

في يومٍ من الأيام وبينما كان سلمان متسلقاً إحدى النخلات أثناء عمله عند سيده اليهودي سمع شخصاً من أقرباء سيده يكلِّمه في الأسفل وييخبره بمجيء شخصٍ إلى المدينة يزعم أنه نبي - وصف سيدنا سلمان هذا المشهد بعد حين بقوله "أول ما سمعته أخذتني العَرواء فارتجفت النخلة حتى كدتُ أسقط على صاحبها"- فنزل سلمان من أعلى النخلة بسرعة كبيرة كالبرق ليستفسر عن الخبر ولكن سيده قابله بقسوةٍ شديدة وضربه وقال له بألّا دخل له في الأمر. 

سيدنا سلمان في تلك اللحظة لم يكن يهتم بكلام سيده وصراخه، الشيء الوحيد الذي كان يفكر به ويشغل باله هو أنه كان مسروراً جداً

لأنه تيقن أنه في المكان الصحيح. 

وهنا ستبدأ رحلة سيدنا سلمان في البحث عن الحقيقة جولتها الثانية، وهي التأكد من أمر هذا الشخص الذي جاء إلى المدينة يدَّعي النبوة، هل حقاً يمتلك تلك العلامات الثلاثة التي أخبره بها ذلك الرجل المسيحي؟ هل حقاً سيكون هذا الشخص هو النبي الذي يبحث عنه سيدنا سلمان؟ 

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي 
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
بعد التقاء سيدنا سلمان بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد طول بحثٍ وعناء دعاه عليه الصلاة والسلام فجلس إليه سلمان و أخذ يحدِّثه بكل ما حدث معه بدءاً من أول حياته ولغاية اللحظة التي التقى فيها به، ثم أسلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

بعد إسلام سيدنا سلمان قال له |الرسول عليه الصلاة والسلام| بأن يراسل سيده حتى يُحرَّر ويعتَق من العبودية، فكَاتَبَه وأُعتق من العبودية وأصبح حراً وواحداً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.  

بعد خمس سنوات من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام كانت غزوة الخندق والتي تكلمنا عن تفاصيلها في مقالٍ سابق بعنوان: أعلام من الصحابة: سعد بن معاذ، ولكن ما نودُّ قوله هنا هو أنه حين اجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم مع الصحابة للشورى واتفقوا على القتال والدفاع عن المدينة، صعد سيدنا سلمان على هضبةٍ عالية ونظر إلى المدينة من الأعلى فلاحظ ميزةً قويةً جداً تمتاز بها المدينة المنورة وهي أنها محاطةٌ بالجبال والصخور من جميع النواحي عدا فجوة واسعة أمام المدينة وهي الفجوة التي يستطيع من خلالها جيش المشركين الدخول إلى المدينة بكل سهولة، وهنا خطرت فكرةٌ ذكية في بال سلمان الفارسي الذي كان لديه معرفة جيدة جداً بفنون القتال والخداع في الحرب.  

وبالفعل تقدَّم سلمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم باقتراحٍ لم تعهده العرب من قبل وهو أن يقوم المسلمون بحفر خندقٍ أمام المدينة يغطي جميع المناطق المكشوفة فيها بحيث تكون المدينة محصَّنةً من جميع جوانبها، أُعجب النبي عليه الصلاة والسلام بالفكرة كثيراً وأمر الصحابة على الفور بأن يبدؤوا بحفر الخندق وبأسرع وقت، وقد كان جميع الصحابة وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يحفرون في الخندق. 

كان سيدنا سلمان قويَّ البنية إذ كانت ضربةٌ واحدةٌ منه على أكبر صخرة كفيلة بأن تجعلها شظايا مشتتة، ولكنه أثناء الحفر واجه صخرةً كبيرةً لم تنكسر معه بأي شكلٍ من الأشكال وباءت كل محاولاته لكسرها بالفشل لدرجة أن الصحابة عليهم السلام اقترحوا على النبي صلى الله عليه وسلم تغيير مسار الخندق كله لأجل هذه المشكلة. 

فماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟
وهل سيتغير مسار الخندق بسبب تلك الصخرة؟

أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي
 أعلامٌ من الصَّحابة سلمان الفارسي  
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر 
 
 سنتابع الحديث  لنعرف مصير الصخرة الكبيرة التي عجز الصحابة عن تحطيمها أثناء حفر الخندق، ومن ثم ستنتهي هذه السلسلة بوفاة هذا الصحابي المغامر. 

عندما ذهب الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبروه بأمر الصخرة التي لم تنكسر واقترحوا عليه تغيير مسار الخندق ذهب عليه الصلاة والسلام ليعاين الصخرة

 وعندما رآها دعا بمِعوَلٍ وطلب من الصحابة الابتعاد عن مرمى الشظايا ثم سمَّى بالله ورفع كلتا يديه بالمِعوَل وهَوى على الصخرة فإذا بها تنشقُّ ويخرج من صدعها ضوءٌ وهَّاجٌ قال عنه سلمان الفارسي: 
"لقد رأيته يضيء جوانب المدينة"، ثم كرر النبي صلى الله عليه وسلم ضربه للصخرة مرةً والثانية حتى تفتت تماماً فهلَّل النبي صلى الله عليه وسلم وهلّل المسلمون من بعده

 وبهذا انتهى أمر تلك الصخرة وتم حفر الخندق.  

عندما وصل جيش المشركين الكبير إلى المدينة تفاجؤوا وانصدموا صدمةً كبيرةً مما شاهدوا، فعلى الرغم من أن حفر |الخندق| فكرة بسيطة إلا أنها لم تكن معهودة ومتوقعة أبداً عند العرب، وهكذا كانت فكرة سيدنا سلمان أحد أسباب انتصار المسلمين في غزوةٍ سُميت باسم فكرته |غزوة الخندق|. 

شهد سيدنا سلمان الفارسي كل الغزوات مع النبي عليه الصلاة والسلام، وكان عليه الصلاة والسلام عالماً بفطنة سلمان فعلّمه الكثير من العلم وكان يطري على خلقه وعلمه. 

أمدَّ الله تعالى بعمر سيدنا سلمان حتى عاش في عهد أبو بكر وعمر وعثمان عليهم السلام، في الفترة التي تلت وفاة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام كانت المسؤوليات ثقيلة على كاهل الصحابة وذلك لأنها كانت فترة انتشار للإسلام وتحديات كبيرة للصحابة في أن يستطيعوا نشر الإسلام بعد وفاة سيدنا محمد، وكان بيت مال المسلمين بحاجة كبيرة للمال فكان سيدنا سليمان معطاءً جداً في ذلك إذ كان يقول: 
"أشتري خصوصاً بدرهم ثم أعمَله فأبيعه بثلاث، فأعيد درهماً فيه وأنفق درهماً على عيالي وأتصدق بالثالث، ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت".

ومع مرور السنين تقدّم سيدنا سلمان في العمر

 وأصبح على فراش الموت فدخل عليه سعد بن أبي وقاص فبكى سلمان  ،فقال له سيدنا سعد: "ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ لقد توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنك"
 
فأجابه سيدنا سلمان: "والله ما أبكي خوفاً من الموت ولا حرصاً على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهِد إلينا عهداً فقال ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وها أنا ذا حولي هذه الأساود" بمعنى أشياء كثيرة 

فقال سعد: "فنظرت حولي فما وجدت إلا جفنةً ومطهرة، فقلت له يا أبا عبد الله اعهد إلينا بعهدٍ نأخذه عنك" 

فقال سيدنا سلمان: "يا سعد اذكر عند الله همتك إذا هممت، وعند حكمتك إذا حكمت وعند يدك إذا أقسمت". 

توفي سيدنا سلمان على فراشه لتنتهي  بوفاته حياةٌ كانت مليئة برحلات البحث عن الحق، حياة كانت مليئة بالصعوبات والمغامرات. 

وهكذا عزيزي القارئ يكون مقالنا المتواضع جداً في تسليط الضوء على بعض الجوانب من حياة الصحابي سلمان الفارسي قد اتتهى، أرجو أنه كان مفيداً بالنسبة لك. 

فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.