مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/10/2022 03:14:00 م

الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن
الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن 
تصميم الصورة : وفاء المؤذن
  
 منذ نعومة أظفارنا ونحن نسمع عن قصة الملكة العربية بلقيس مغ نبي الله  الملك سليمان عليه السلام، وكيف أن الهدهد نقل خبر الملكة بلقيس إليه، وكيف تمكن النبي سليمان من إحضار عرش بلقيس بلمح البصر. 

فمن هي الملكة بلقيس وما قصتها منذ الطفولة؟ وإلى أي قبيلة عربية تنتمي؟ وكيف تم تنصيبها ملكة عليهم في زمن كان فيه العرب يرفضون أن تحكمهم امرأة؟ وهل فعلاً أن أمها كانت أميرة من أميرات الجن؟! 

وأين كانت تقع مملكة بلقيس وما علاقتها بسد مأرب العظيم؟ وماذا حدث معها بعد أن التقت بالنبي سليمان؟ 

 سنبدأ قصتنا من ما قبل الصفر يعني قبل ولادة الملكة بلقيس

 في اليمن وتحديداً في |صنعاء|، كان هناك مملكة عربية ضخمة يقال لها مملكة سبأ، وسميت بذلك بناءً على اسم جدهم الأكبر والملك الأول لهذه المملكة وهو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن النبي العربي هود عليه السلام. 

 وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام أن سبأ كان لديه عشرة أبناء، ستة منهم عاشوا في اليمن( مذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير)، والأربعة الآخرون سكنوا في الشام(لخم، وجذام، وعاملة، وغسان). 

 في بداية ملكه كانت مملكته في صنعاء، وبعد مدة زمنية بنى مدينة مأرب وجعلها عاصمة مملكته، وشيد فيها القصور والمباني الضخمة والحدائق الكبيرة وكانت أشبه بالجنة لجمالها، وبنى |سد مأرب| العظيم المعروف في التاريخ العربي، والذي كان سبب ازدهار مدينة سبأ ككل. 

 لأن بناء السد أدى إلى كثرة الأراضي الزراعية في مدينة مأرب، حيث كان بإمكانهم الزراعة سواء بالصيف أو الشتاء، وأصبحت محاصيلهم وفيرة بكثرة، وذكرت في القرآن على أنها أرض مباركة، وأن الله رزقهم بجنتان جنة على يمينهم وجنة على يسارهم، ورزقهم الله بكل أنواع الثمار وكانت كل أراضيهم عبارة عن ظل أشجار. 

 وبارك الله في مالهم وازدهر عندهم الاقتصاد، فلم يكن بينهم فقير واحد، وعاشوا في نعيم ورخاء ورزق وبركة. 

 وبعد كل هذه الخيرات والنعيم التي أعطاها الله لمملكة سبأ

 ولكن للأسف بسبب انشغالهم بالدنيا ولهوهم فيها ابتعدوا عن عبادة الله، فأرسل الله عليهم العذاب عقاباً لما غرتهم به الدنيا، وكان العقاب عن طريق انهيار سد مأرب العظيم والذي كان سبب الازدهار والخيرات، وكان السبب في انهياره حيوان صغير جداً وهو |الخلد| الذي كان يحفر بداخل السد، وأدى انهدامه إلى غرق الأراضي والبيوت ومات منهم الكثير ونجا من أراد الله له النجاة. 

ونتيجة الدمار والخراب الذي حل بهم، منهم من رحل إلى الشام ومنهم من سكن في مناطق يمنية أخرى، ومن القبائل التي بقيت في اليمن هي قبيلة حمير، التي عادت وقامت ببناء مدينة سبأ من جديد، وبدأوا باستعادة النعيم الذي كانوا يعيشون فيه بشكل تدريجي، ومضت الأيام وبدأت المدينة تستعيد عافيتها شيئاً فشيئاً.

الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن
الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن 
تصميم الصورة : وفاء المؤذن 
 

 وبدأت مدينة مأرب تسترد عافيتها بعد الدمار والخراب الذي أصابها

 إلى أن جاءهم ملك يقال له" |عمرو ذو الأذعار|" وكان طاغية وجبار، وقد سمي ذو الأذعار لأنه كان يسبب الذعر والخوف للناس، وبنفس الوقت الذي كان فيه هذا الملك يحكم سبأ، كان هناك ملك آخر يقال له "الهدهاد بن شرحبيل" وكان أفضل وأطيب وأرق قلباً من ذو الأذعار، ودائماً ما دارت الحروب بينهم. 

وذلك يعني أن مملكة سبأ قُسمت ما بين أناس تابعين لذو الأذعار وآخرون تابعين ومؤيدين للهدهاد، ودارت بينهم الكثير من المعارك والحروب، ويقال أن الهدهاد تمكن من الانتصار على ذو الأذعار وقتله، ولكن هناك من يقول بأنه لم يتمكن من هزيمته أبداً. 

 يقال أنه في أحد الأيام كان الملك الهدهاد خارجاً إلى الصيد ومعه مجموعة من جنوده، وبينما كان يمشي ما بين الغابات والبراري رأى ذئباُ يطارد غزال أبيض بغاية الجمال، فحاول القضاء على الذئب ليتمكن من اللحاق بالغزال ومعرفة من أين أتى، وبذلك سيعرف أين تتواجد مجموعة الغزلان الساحرة. 

وبطريقةً ما تمكن من إبعاد الذئب وبدأ يمشي وراء الغزال بحذر، وفجأةً وجد نفسه أمام بوابة مملكة ضخمة، أجمل من مملكة سبأ بمئات المرات، ودخل الغزال الشارد إلى داخل المملكة. 

 وبينما كان الهدهاد في حالة صدمة مما رآه

 ألا أنه حاول أن يعرف لمن هذه المملكة وكيف أنها موجودة بالقرب من مملكته ولكنه لم يسمع عنها أبداً، وفجأةً خرج رجل  هيئته أشبه بهيئة الملوك، وكان هذا الرجل هو ملك هذه المملكة، اقترب من الهدهاد وقال له أنا ملك مملكة الجن، وشكره لأنه أنقذ ابنته من الذئب، وفجأةً ظهرت فتاة في غاية الجمال، وكان واضح عليها أنها أميرة، وكان تمشي باتجاه الملك. 

وقام ملك الجن بتقديم ابنته للهدهاد

 وقال له هذه ابنتي أميرة هذه المملكة وهي التي أنقذتها من الذئب، وأخبره بأنه سيزوجه من ابنته مكافأة على ما قام به، وبالفعل تزوج الملك الهدهاد من |أميرة الجن| وأخذها معه إلى مدينة سبأ،  وبعد مرور فترة على زواجهم، أنجبت له فتاة أطلق عليها اسم " |بلقيس|". 

 كبرت هذه الفتاة وبدأت تتنقل ما بين مملكة والدها و مملكة الجن، وتعلمت من المملكتين الكثير من الأمور والتعاليم حتى أصبحت أعقل الناس وأحكمهم، فقد كان والدها ملك العرب ووالدتها ملكة الجن. 

 كانت بلقيس هي الابنة الوحيدة للهدهاد بن شرحبيل وكانت هي الوريثة الوحيدة لعرش مملكة سبأ، وجاء اليوم الذي شعر فيه الهدهاد باقتراب منيته، وقرر وهو على فراش  الموت أن يجمع وزرائه وشيوخ قبيلة حمير، وأثناء حضورهم إلى مجلسه أخبرهم بأن بلقيس كان تساعده في الحكم طول فترة حكمه، وكان يأخذ برأيها فقد كانت ذو رأي سديد، وأنه سوف يورثها عرش المملكة من بعده ،وقالوا له بالفعل إن بلقيس أعقل الرجال والنساء وأحكمهم وصاحبة رأي

 ولكن كيف ستحكمنا امرأة!

 هذا لم يحدث من قبل ولن يتقبله عامة الناس أبداً.   وهنا رد عليهم " والذي أحلف به ما رأيت مثل بلقيس رأياً وعلماً وحلماً بالرغم أن أمها من الجن". وبعد هذا الكلام من الهدهاد اقتنع الوزراء وشيوخ قبيلة حمير بأن تكون بلقيس ملكتهم الجديدة، ملكة مملكة سبأ. 

الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن
الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن 
تصميم الصورة : وفاء المؤذن
  
 وبعد وفاة الملك هدهاد بن شرحبيل انتقل الحكم إلى ابنته بلقيس وتوجت ملكة على عرش مملكة سبأ،  ويقال أن الملك عمرو بن الهدهاد لم يمت ولم ينتهي زمانه في فترة وجود الملك الهدهاد، وظل على قيد الحياة في الزمن الذي أصبحت فيه بلقيس ملكة. 

 وكان يسبب الكثير من المشاكل لها، لأنه كان يستهين فيها وكان يراها كامرأة لا تصلح للحكم، وسوف يكون ملكها ضعيف، ولكن بلقيس كانت صاحبة رأي وذو عقل راجح، فقررت التخلص من الملك ذو الأذعار بطريقة ذكية، بحيث لا تسبب لها المشاكل بين الحميريين. 

 فلم تكن تهدف لإراقة دمائهم وخصوصاً بأنهم معروفين بإراقتهم للدماء حتى بين بعضهم البعض، فعرضت نفسها للزواج منه، وبناءً على هذا الزواج سيتم لم شمل القبائل الحميرية، وبالفعل سُّر ذو الأذعار بهذا الطلب وعلى الفور واقق على الزواج منها، وبدأ التحضير لمراسم الزفاف وأقيم حفل الزفاف وتم لم شمل القبائل الحميرية من جديد. 

 ودخلت بلقيس إلى قصر ذو الأذعار

 ومنذ أول ليلة من زواجهم بدأت بلقيس تسقيه الخمر حتى وصلت به الحال لمرحلة السُكر و|فقدان الوعي|، وعندما تأكدت من أنها أنهك تماماً أخرجت خنجرها وقطعت رأسه، وأخذت رأسه وسلمته لجنودها وأمرتهم بتعليقه على باب مدينة مأرب، وهكذا قضت على الملك ذو الأذعار وأنهت المشاكل التي كان يسببها من دون إراقة الدماء ماعدا دمه. 

 واستقر الحكم بعد ذلك للملكة بلقيس وبدأت مملكتها تزدهر أكثر فأكثر، وصنع لها قومها وشعبها عرشها المعروف بعرش بلقيس، والذي صنع من الذهب والمجوهرات و|الأحجار الكريمة|. 

 وفي نفس التوقيت الزمني لوجود الملكة بلقيس ومملكتها الكبيرة والقوية، كان هناك في فلسطين مملكة تعتبر من أعظم الممالك التي مرت على تاريخ البشرية، وهي مملكة الملك و|النبي سليمان الحكيم|، أحد الملوك الأربعة الذين حكموا العالم، فأعطاه الله مُلكاً لم يملكه أحد من قبله، فقد كان يملك الإنس والجن والريح والحيوانات. 

 وفي ذلك الوقت كان النبي سليمان يجتمع بأعضاء مملكته من الإنس والجن والحيوانات

 وفي إحدى الأيام اجتمع أعضاء المملكة لكن كان أحد الحيوانات مفقود ولم يحضر هذا الاجتماع وهو |الهدهد|، لاحظ الملك سليمان تغيبه عن الحضور وعندما سأل عنه ولم يجيبه أحد، فلم يكن أحد يعلم أين اختفى الهدهد. 
 واشتد غضب الملك سليمان وتوعد للهدهد إما بتعذيبه أو بقتله أو أن يكون هناك سبب مقنع يخبره به، وإلا فأن عقابه لا مفر منه. ومرت الأيام على غياب الهدهد وفور عودته توجه عل الفور عند الملك سليمان، وقال له جئت إليك بنبأً عظيم من مملكة سبأ وبجعبتي الكثير من الأخبار. 

 قال الهدهد" جئت من مملكة تحكمها امرأة، وتملك الكثير من الخيرات والكنوز، وعندها عرش عظيم لكن هذه الملكة وقومها لا يعبدون الله ويعبدون الشمس. 

الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن
الملكة العربية بلقيس ما قبل النبي سليمان وأمها أميرة الجن 
تصميم الصورة : وفاء المؤذن  

وبعد ما سمع النبي سليمان أخبار الملكة بلقيس وقومها من الهدهد

 كتب لها رسالة وأمر الهدهد أن يتجه إلى مملكة سبأ ويلقي هذه الرسالة عند الملكة بلقيس، وكان مضمون الرسالة 
" بسم الله الرحمن الرحيم، أن لا تعلو عليّ وأتوني مسلمين". 

 وعندما قرأتها تأكدت من أن هذا الملك الذي يقال له الملك سليمان يريد أن يضمها هي وقومها تحت حكمه، وبدأت تستشير وزرائها وقادة الجيوش فأخبروها بأنهم أيضاً رجال ذو بأس شديد، ومن مملكة قوية وعظيمة جداً وبإمكاننا أن نردع مملكة الملك سليمان، وكانوا من قبل قد سمعوا عن هذا الملك ومملكته ومدى قوتها وعظمتها، ففي ذلك الوقت كان خبر الممالك ينتشر فيما بينهم. 

 لم تقتنع بلقيس برأي قادة جيوشها والوزراء وأخبرتهم بأنها لن تشعل فتيل |الحرب|، وقررت أن ترسل له الهدايا كنوع من أنواع المودة والهدنة وحسن النية فيما بينهم، وبالفعل جهزت وفد وحملتهم بمختلف أنواع الهدايا من كنوز ومجوهرات وأحجار كريمة، وأرسلتهم إلى مملكة النبي سليمان عليه السلام. 


 وصل هذا الوفد إلى مملكة النبي سليمان وقاموا بتسليمه الهدايا والكنوز ولكنه رفضها، وهنا تأكدت الملكة بلقيس بأن هذا الرجل لم تكن غايته الحكم والسيطرة، وأنه يملك رسالة ومن الواضح أنه نبي بالفعل، وقررت أن تأخذ وزرائها ووفد من مملكتها وتذهب إلى مملكة الملك سليمان، وفي نفس الوقت أوحى الله تعالى للنبي سليمان بأن الملكة بلقيس سوف تأتي لمملكته. 

وهنا أمر الجن ببناء قصر عظيم جداً على البحر للملكة بلقيس

 وأن يكونوا بلاطه من الزجاج النقي والصافي بحيث أن تُرى |مياه البحر| من تحته، وأن يملؤها بالأسماك. وطلب من أتباعه سواء الأنس منهم أو الجن أن يحضروا عرش بلقيس قبل وصولها. 

 وقال له أحد أتباعه من الجن سوف أحضر لك العرش قبل أن تقوم من مقامك، وفي نفس الوقت قام شخص آخر يقال أنه من الجن والبعض يقول أنه من الأنس، وقال له أنا من سأحضر لك عرش بلقيس قبل أن يرتد طرفك، ويقال أنه من الأنس واسمه آصف بن برخيه، وكان يعرف اسم الله الأعظم ودعا به، لذلك استطاع إحضار عرش بلقيس بهذه السرعة. 

 وبعد وصول العرش إلى الملك سليمان

 أمر أتباعه بتغيير شكل وتفاصيل العرش، وصلت المكلة بلقيس وتم استقبالها في القصر المبني على البحر، وأول ما دخلت القصر سألها أتباع سيدنا سليمان هل رأيتِ هذا العرش من قبل، هل هو عرشك؟ 
فأجابتهم وكأنه هو، لم تنفي حتى لا تظهر بمظهر الكاذبة، ولم تؤكد حتى لا تقلل من هيبتها كملكة، وأول ما دخلت القصر رفعت ثوبها خوفاً من أن يبتل بماء البحر، وعندما رآها سيدنا سليمان قال لها" هذا صرح ممرد من قوارير". 
 وكانت الملكة بلقيس وأتباعها في حالة ذهول من هذا المُلك العظيم الذي لم يروا مثله من قبل، وخصوصاً كيف وصل عرشها بهذه السرعة، فأسلموا إلى النبي سليمان وأصبحت مملكة بلقيس مسلمة. 

والسؤال المهم ماذا حدث مع الملكة بلقيس بعد إسلامها؟ 

هناك عدة مقولات ومن ضمنها أن الملك سليمان تزوج من بلقيس وأنجب منها طفل اسمه" رحبة عم"، والمقولة الثانية يقال أن النبي سليمان زوج بلقيس من رجل يلقب بذو بتا من قبيلة همدان، وعادوا إلى اليمن وبنا لها سيدنا سليمان قصر عظيم في مدينة مأرب، والمقولة الأخيرة بأنها عادت إلى مملكتها لم تتزوج من أحد ولم يتغير شيء سوى أنها أسلمت. 

وهذه كانت قصة الملكة بلقيس ومُلكها العظيم.

تهاني الشويكي


إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.