مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 5/21/2022 01:57:00 م

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر  

واحدٌ من السابقين الأوائل للإسلام، من أشد الصحابة الذين استُضعفوا في مكة، ممَّن هاجروا إلى الحبشة ثم هاجروا إلى يثرب، وشارك النبي عليه الصلاة والسلام في كل غزواته، ومن الصحابة الذين مات صلى الله عليه وسلم وهو راضٍ عنهم، إنه الصحابي الفاضل عمار بن ياسر. 

للخوض في بعض المعلومات عن هذه الشخصية العظيمة تابع معنا هذا المقال.  

 ولادة عمار بن ياسر

في البداية سنتحدث عن والد عمار بن ياسر "سيدنا ياسر"، ياسر في الأصل لم يكن من مكة إنما هو من اليمن، خرج منها وسافر متجهاً إلى مكة ثم استقر فيها، وعندما وصل عقد حلفاً مع شخص يدعى أبو حذيفة بن المُغيرة، وعاش ياسر في مكة ثم زوّجه أبو حذيفة من سمية بنت خِيَاط مكية الأصل، فتزوج ياسر من سمية وأنجبوا عمار ليكون عمار بن ياسر. 

 إسلام آل ياسر 

كانت عائلة عمار مجتمعة من أسرع الناس الذين شرح الله صدرهم للإسلام فأسلموا جميعاً واتبعوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكانوا من السابقين إلى الإسلام. 

 تعذيب واضطهاد آل ياسر في مكة 

كما هي الحال مع كل الصحابة الذين كانوا يتبعون دين محمد في مكة تعرّض آل ياسر لشتى ألوان العذاب والاضطهاد، وما زاد في استضعافهم أنهم كما نعلم في الأصل ليسوا من مكة فليس لديهم سند أو ظهر يحميهم فكانوا أقرب إلى العبودية لذلك استضعفوا وبشدة في مكة.  

كانت مهمة تعذيب آل ياسر موكلة إلى بني مخزوم الذين كانوا يُخرجون العائلة كلها إلى صحراء مكة التي كانت تلقب بالرمضاء لشدة حرّها، يخرجون ياسر وسمية وعمار إلى الصحراء الملتهبة ويتفننون في تعذيبهم بكل قسوة فلب.  

كان صلى الله عليه وسلم يخرج إليهم ويراهم وهم يعذبون ولا يستطيع أن يدفع عنهم العذاب، حتى أن الكثير من |الصحابة| الذين اشتد عليهم العذاب والبغي من قريش كانوا يذهبون إليه صلى الله عليه وسلم ويشكون له عذابهم ومعاناتهم من قريش دون أن يملك لهم نفعاً، ولكنهم كانوا يعلمون أنه لا بدَّ من التضحية فما يحاربون لأجله ليس أمراً عادياً وإنما هو أمر عظيم سيغير مجرى الكون كله، بعد ذلك نزل وحي إلهي على النبي بآياتٍ تصبِّر الصحابة على العذاب.  

أيُّ تضحيةٍ تلك التي قدمها آل ياسر؟! 

في إحدى المرات التي كان فيها النبي ماراً بهم ناداه عمار وقال له: 

 يا رسول الله لقد بلغ منَّا العذاب كل مبلغ. 

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم طمأنةً لهم وتصبيراً لهم على العذاب: 

- "صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة" 

وعدٌ مباشر من النبي عليه الصلاة والسلام لآل ياسر بالجنة. 

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
  
 قيل في كثير من الأحاديث عن |عمار بن ياسر| أنه من شدة التعذيب أصيب بالهذيان وكان لا يدري ما يقول، وكما قال عمرو بن ميمون: 
أحرق المشركون عمار بالنار فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرُّ عليه ويمرر يده على رأسه ويردد: "يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنتِ برداً وسلاماً على إبراهيم". 

ظلّ سيدنا عمار صابراً على كل العذاب الذي كان يلاقيه حتى جاء يومٌ ونفذت فيه طاقته، إذ كانوا يكووه بالنار ويرموه على الحصى في الصحراء ثم يأخذونه ويضعونه في الماء حتى تحترق أنفاسه ويتقرَّح جسده، فاشتد عليه العذاب كما رأى أمه في ذلك اليوم تموت تحت التعذيب ففقد وعيه وأصبح يهذي، فقال له المشركون: أُذكر آلهتنا بالخير، فأخذ يردد وراءهم ما يقولونه دون وعي منه ولا إدراك، لكنه عندما عاد لوعيه واستجمع شتات نفسه من جديد فطن لما حدث وتذكر أنه من شدة العذاب نسي الله وذكر آلهتهم فأخذ يجلد نفسه جلداً لا يوصف وتأثرت نفسيته بذلك كثيراً.

بعد هذا الحادث مرَّ سيدنا محمد على عمار فوجده يبكي بحرقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد علم ما جرى لعمار ولأمه وأبيه وعلم ما قاله عمار فأخذ النبي يمسح دموعه ويقول له: 
"أخذك الكفار فغطّوك في الماء فقلت كذا وكذا؟"
فأجابه عمار وهو يبكي: نعم يا رسول الله 
فطمأنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبتسم وقال له: "إن عادوا فقل لهم مثل قولك" وتَلَا عليه آيات من القرآن، فعاد عمار لهدوء نفسه واستجمع قواه من جديد ولم يعد يبالي بأي نوع من العذاب، فقد نزلت فيه البشرى وآيات من القران فماذا يريد بعد ذلك؟!

ظلّ عمار صابراً محتسباً حتى يئس منه معذبوه، ثم كانت |الهجرة إلى المدينة| فهاجر عمار مع الرسول عليه الصلاة والسلام واستقر حال المسلمين في المدينة المنورة.  

كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحب عمار حباً شديداً ويباهي به أصحابه ويقول عنه صلى الله عليه وسلم: "إن عمار مُلِئ إيماناً إلى مشاشه'.

أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
أعلامٌ من الصَّحابة (عمَّار بن ياسر)
تنسيق الصورة : ريم أبو فخر
حصل سوء تفاهم في إحدى المرات بين سيدنا عمار بن ياسر و سيدنا |خالد بن الوليد| فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: 

"مَن عادى عمار عاداه الله، ومَن أبغض عمار أبغضه الله"
فما كان من سيدنا خالد بن الوليد إلا المسارعة إلى عمار والاعتذار منه وتصحيح الموقف. 

 شهد سيدنا عمار بن ياسر بدر وأُحد والخندق وتبوك وكل الغزوات مع الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان عمار في عهد الخلفاء الراشدين أيضاً أهلاً للثقة فقد شارك في حروب الردة، رضي الله عنه، وشارك في فتوحات الروم والفرس، وكان عمار بن ياسر دائماً في الصفوف الأمامية في القتال. 

 في خلافة عمر بن الخطاب عَهِد إلى عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود بيت المال، ولما أراد سيدنا عمر أن يولِّي أحداً على الكوفة ولَّى عمار بن ياسر. 

 ومن فضائله أيضاً أن الحذيفة بن اليمان العالم بلغة السرائر لما كان على مشارف الموت سأله أصحابه: بمن تأمرنا إذا تخلَّف الناس.  
فأجابهم: عليكم بابن سمية فهو لا يفارق الحق حتى يموت.  

أتى زمن الفتنة فمات في سبيل الله عثمان بن عفان وكانت الولاية من بعده لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، فبايعه عمار بن ياسر، 
هنا يجب ذكر حادثة حدثت لعمار في عهد النبي عليه الصلاة والسلام

 "كان سيدنا عمار مرةً يعمل بجانب جدارٍ، فوقع الجدار عليه فبلغ ذلك الخبر للنبي صلى الله عليه وسلم فهروَل إليه، فلما وصل النبي عليه الصلاة والسلام كان الناس قد ظنوا أن عمار مات ولكنه عليه الصلاة والسلام قال: 
"ما مات عمار، تقتله الفئة الباغية"

 وبالعودة إلى زمن الفتنة حيث اختلف المسلمون وراح البعض يبايعون علي بن أبي طالب والبعض يبايعون معاوية بن أبي سفيان، وكل فئة على يقين أنها تنصر الإسلام، وهنا لن ندخل بتفاصيل هذه الفترة التي كانت مليئة بالأحداث التاريخية، بل سنركز على سيدنا عمار الذي قلنا أنه بايع سيدنا علي. 

وجاء يوم صفِّين - فئتين من المسلمين يقتتلوا- فخرج سيدنا عمار في جيش |علي بن أبي طالب| وهو في الثالثة والتسعين من عمره، فلما علم رجال معاوية أن عمار في الجيش أخذوا يبتعدون عنه حتى لا يكونوا الفئة الباغية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، إلا أن شراسة عمار بن ياسر في القتال أدت لإصابته بجروح كثيرة واستشهاده فانتشر الخبر وأعيد في أذهان الصحابة جميعهم ما ذكره النبي عن مقتل عمار. 

بعيداً عن تبعات هذا الأمر لما علم سيدنا علي بمقتل عمار حمله بيديه على صدره حتى أخذه في مكان دفنه، ودفنَه بثيابه ودعا له وصلى عليه وصلى المسلمون من خلفه.  

وبهذا انتهت حياة أحد الصحابة السابقين المستضعفين الذين سيحكمون العالم من بعد ذلك، وهكذا نكون قد وصلنا لنهاية مقالنا، وكما نقول دائماً إننا فقط نذكر لمحة سريعة عن حياة هذا الصحابي لنفتح لك المجال لتبحث في الكتب وتقرأ أكثر وتستزد عن هذا الصحابي الشجاع. 
فضلاً شاركنا آراءك الرَّائعة من خلال التَّعليقات ^-^

آية الحمورة

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.