مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 4/03/2022 11:01:00 ص
لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الثاني - تصميم وفاء المؤذن
لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الثاني
 تصميم وفاء المؤذن
- تلخيص بسيط جداً لما تحدثنا عنه في الجزء السابق، حيث تطرقنا في حديثنا عن انفجار الفقاعة العقارية وعن خسارة العقارات والبورصة بنسب كبيرة، والتي أدت إلى إفقار الشعب الياباني، والذي أدى بدوره إلى تغيير أسلوبهم في الإنفاق، وتحدثنا عن النسبة المثالية للتضخم في العالم وعن الوضع الاقتصادي في اليابان، وتوقفنا عند عدة أسئلة تم طرحها فيما يخص البنك المركزي الياباني. 

- وبالفعل اتبع البنك المركزي الياباني استراتيجية تقليل سعر الفائدة فماذا كانت النتيجة؟ 

السياسة التي اتبعها البنك المركزي الياباني 

في الفترة ما بين عام ١٩٩٩-٢٠٠٠، بدأ البنك الياباني بتبني ما يسمى |أسعار فائدة صفرية|، باختصار هذا لن يقلل سعر الفائدة بل ستصبح صفر. 

وفي الفترة ما بين عام ٢٠٠١-٢٠٠٦، بدأ يتبع سياسة |التيسير الكمي|. 

وفي كانون الثاني عام ٢٠١٣، بدأ يتبع سياسة جديدة وهي هدف |استقرار الأسعار|، وبعدها بثلاثة أشهر وبالتحديد في نيسان من نفس العام، اتبع سياسة رابعة وهي سياسة |التيسير الكمي والنوعي|. 

وأخيراً في عام ٢٠١٦، اتخذ القرار الحاسم حيث جعل |أسعار الفائدة في السالب|، وذلك يعني أن أموال المواطن إذا ما وضعها في البنك لن تزيد أبداً وإنما ستنقص. 

- ورغم كل المحاولات إلا أن جميع هذه السياسات باءت بالفشل، وكل النظريات والحلول التي من الممكن أن تخطر على بال أي عالم اقتصاد في العالم، قام البنك المركزي الياباني  بتجربتها، في محاولة منه لإقناع اليابانيين بزيادة إنفاقهم الاستهلاكي  وعدم ادخار أموالهم، من أجل أن يصل التضخم إلى نسبة ٢%، وجميعها فشلت حتى الآن. 

أما بالنسبة للمحافظ السابق للمركزي الياباني(Masaaki Shirakawa)، علم الاقتصاد الذي نعرفه ودرسناه يجب أن يضاف له فصول أخرى، لأن العلم بوضعه الحالي، لا يشرح لنا كيف نقوم بإيجاد حل للمشاكل التي تواجه اليابان وبالطبع أهمها التضخم. 

-منذ عام ١٩٩٥-٢٠٢١ مر عليها خمس محافظين للبنك المركزي، وجميعهم أعطى وعد بأن يصل معدل التضخم في البلد إلى ٢%، وباءت جميع وعودهم ومحاولاتهم بالفشل؟! 

فشل المحافظين منطقي جداً لماذا

- باختصار، كل ما حاولت الحكومة اليابانية إقناع اليابانيين بزيادة إنفاقهم الاستهلاكي يصطدموا بعقبة ما، يسميها محافظ البنك المركزي الياباني(Haruhiko Kuroda) |العقلية الانكماشية| والتي تحكم سلوك وتصرفات |المستهلك الياباني|، ببساطة فإن المواطن الياباني مرتاح لحالة الانكماش التي تؤدي إلى انخفاض الأسعار، وبنفس الوقت يميل بشكل كبير للادخار مهما تعرض لمغريات من أجل أن يصرف أمواله أو يستثمرها، وذلك لسببين: 

أولاً بسبب خوفه من تكرار المآسي الاقتصادية التي عانت منها البلد  سواء في عام ١٩٩٠ أو ٢٠٠٨ أو ٢٠١١، فيقوم بتأمين نفسه بالمدخرات ويرفض الاستهلاك، وبإمكاننا القول بإن الادخار في اليابان أصبح عقيدة أو سلوك متأصل، أكثر من كونه استراتيجية مالية.

على سبيل المثال، هناك في اليابان ما يسمى المكافآت الموسمية، وهي عبارة عن أموال يأخذها جميع الموظفين في اليابان، مرتين في السنة من الشركات التي يعملون بها، تفاجئ اليابانيون بأن المكافأة في عام ٢٠١٨، زادت جداً عن كل سنة، لدرجة أنها وصلت إلى ما يعادل ٧٤٠٠ دولار، وكان ذلك أعلى مستوى لها في التاريخ، وكان هدف الحكومة من هذه الزيادة، أن يزيد الإنفاق الاستهلاكي للموظفين، وبالتالي فإن معدل التضخم سوف يرتفع إلى ٢%، والطريف في الأمر أن الإنفاق الاستهلاكي لم يزيد، فقد قام الموظفين بادخار الأموال التي كسبوها. 

فهل ستتصرف الشعوب في دول أخرى بنفس الطريقة؟ 

لو حصلت عزيزي القارئ على زيادة هل سوف تقوم بادخارها أم تنفق على نفسك؟ 

لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الثاني - تصميم وفاء المؤذن
 لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الثاني
 تصميم وفاء المؤذن

لماذا يميل الشعب الياباني للادخار

تحدثنا كيف أن أكثر اليابانيين قاموا بادخار المكافآت التي حصلوا عليها، بدلاً من إنفاقها والتمتع بها، ومقارنةً مع ما قام به المستهلكين الأمريكيين، عندما قدمت لهم الحكومة مبلغ مالي بقيمة ١٤٠٠دولار أمريكي، وعلى الفور قاموا بشراء بضائع بشكل كبير من الصين، وقاموا بسحب الحاويات من كل مكان في العالم، ووضعوها عندهم في الموانئ وأصبح هناك نقص في الحاويات، فارتفعت أسعار الشحن في العالم، وبالتبعية ارتفعت الأسعار بشكل كبير. 

لماذا لم يدخروا أموالهم كما فعل اليابانيين

وبالنسبة لموضوع الادخار في اليابان، تحدث عنه شاب ياباني عمره تسعة عشر عام يدعى كاوروكو شيمادا في عام ٢٠١٦، حيث قال نصاً "لو نزلت الأموال على رأسي من السماء، لن أقوم بصرفها، فليس لدي رغبة بشراء أي شيء، وأنا أحب أن أعيش حياة بسيطة"، ومحصلة الحرص الشديد على الادخار، هو أن قيمة الأصول التي في حيازة الأسر اليابانية وصلت لحوالي اثنين كوادر ليونا ين، يعني ١٨ تريليون دولار عبارة عن أصول يملكها اليابانيين. 

-ثانياً وهو الأهم فالمستهلك الياباني كل يوم يسأل نفسه سؤال منطقي جداً، وهو لماذا يقوم بشراء أي سلعة من الممكن أن يكون سعرها أرخص في اليوم التالي؟

ولذلك لا يشترون السلع لأن قيمتها تقل بسبب قلة الشراء، وهكذا يتوقع المستهلك بأن الأسعار في انخفاض، وغالباً ما تكون توقعاته صائبة، وهكذا الاقتصاد في اليابان يدور في حلقة مفرغة.

والمدهش في حوار التضخم في اليابان، ليس اعتبار الأسعار شبه ثابتة تقريباً في آخر خمساً وعشرون سنة، ولكن الشيء المحير والغريب والمثير للدهشة أن التضخم في اليابان لم يتأثر ولم يتغير في سنة ٢٠٢١ العظيمة، عام التضخم و|ارتفاع الأسعار|!!! وهذا يعتبر معجزة.

عام الأزمات الاقتصادية

- لأن ماحصل في عام ٢٠٢١، تقريباً قام بتدمير الاقتصاد في كل أنحاء العالم، لأن التضخم زاد بشكل كبير، وكان العالم يعاني من أزمة حاويات، ومشاكل في سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار البترول، وأزمة الغاز، وأزمة الفحم، وأزمة الغذاء، وأزمة العمالة، وأزمة في الرقائق الالكترونية، عام الأزمات بلا منازع.

ارتفاع معدل التضخم

في ظل هذه الأوضاع  فإنه من المنطقي جداً أن تزيد وترتفع أسعار المواد الخام والوسيطة، وبالتبعية تزاد أسعار المواد النهائية ومعها التضخم، وبسبب ذلك كله، فإن معدل التضخم في أمريكا كسر حاجز ٦،٢%، وبذلك وصل لأعلى معدل له في آخر ٣١ سنة مضت. ووصل في منطقة اليورو لمستويات قياسية بعد أن تخطى ٤،١%. 

ولكن ماذا عن اليابان؟ 

هل تتوقع بأن معدل التضخم ارتفع عندها؟

لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الثاني - تصميم وفاء المؤذن
لماذا لا ترتفع الأسعار في اليابان رغم ارتفاع التكاليف هل تصدق ذلك - الجزء الثاني
 تصميم وفاء المؤذن

ولكن صدق أو لا تصدق

 فقد كان معدل التضخم في اليابان في عام ٢٠٢٠ سالب بمعدل  (-٠،٠٣%) ، وكان من المتوقع أن يكون في عام ٢٠٢١ سالب بمعدل(-٠،١٧%)،  ذلك يعني أن الأسعار تتراجع، في تشرين الأول من عام٢٠٢١، أسعار المستهلكين في اليابان زادت بنسبة ٠،١% على أساس سنوي، وذلك يعني بأن السلعة في تشرين الأول عام ٢٠٢٠، كان سعرها ١٠٠٠دولار، أصبح سعرها١٠٠١ دولار، بعد مرور عام كامل وذلك عام ٢٠٢١، عندما نقوم باستبعاد أسعار الموارد الغذائية الطازجة والطاقة من المؤشر، نجد أن الأسعار انخفضت بنسبة ٠،٠٧%. 
-بالنسبة لليابان فليس لديها شركات للطاقة أو الموارد الطبيعية، وتقوم باستيراد كل السلع، والسؤال المهم كيف أن أسعار السلع لم ترتفع ومعدل التضخم لا يحرك ساكن في حين أن الأسعار مرتفعة في كل مكان والاقتصاد العالمي بأسوأ حالاته؟ 
والتفسير الوحيد لهذا الوضع هو أن اليابانيين يقومون بسرقة الطاقة والموارد الخام!! ولكن في الحقيقة أن اليابانيين لا يسرقون، ولكنهم يقومون بشراء الطاقة والمواد الخام من السوق بالأسعار العالمية مثلها مثل الدول الأخرى. 
والدليل أننا لو قمنا بإلقاء نظرة على أسعار المنتجين في نفس الشهر وهو تشرين الأول ٢٠٢١، زادت بنسبة ٧،٩% مقارنة مع العام الفائت. 

بالرغم من أنهم يدفعون أسعار عالية في الطاقة والمواد الخام فلماذا أسعار المنتجات عندهم لا تزيد

السر باختصار أن المنتجين و|الشركات المصنعة| في اليابان، تخاف من ردة فعل المستهلك لو مررت له الزيادة في سعر المواد الخام بسعر المنتج النهائي، لذلك تتحمل هي الزيادة بدلاً من المستهلك، والسبب من خوف الشركات، هو أن |الإنفاق الاستهلاكي| لليابانيين ضعيف بالأساس، فلو قامت برفع الأسعار هل تتخيل بأنهم سيتقبلون الزيادة بصدر رحب؟! 
بالعكس فإن رد فعلهم المتوقع هو الامتناع عن الشراء مهما كانت الأسباب، لذلك يتحمل المنتج الزيادة حتى لو بخسارة أفضل من أن يمتنع المنتج من الشراء نهائياً، وهذا هو لسان حال المنتجين والشركات المصنعة. 
- أغلبية المنتجين اليابانيين يفضلون تحمل الزيادة بدلاً من زيادة سعر المنتج، وهذا هو سبب التفاوت الواضح بين أسعار المنتجين  وأسعار المستهلكين، وباختصار فإن تكلفة الإنتاج تزيد ولكن سعر المنتج ثابت وفي بعض الأحيان ينخفض، على سبيل المثال، شركة Ryohin Keikaku Co، التي تقوم بتشغيل متاجر التجزئة اليابانية الشهيرة MUJI، قامت بتخفيض أسعار ١٩٠منتج، وبالطبع فإن مثل هذا النمط من الاستهلاك له تكلفة، بالطبع فإن المستهلك مستفيد من ثبات الأسعار، لكنه هو الاقتصاد ككل يدفع ثمن ذلك في النهاية، في صورة انكماش اقتصادي وعدم زيادة في الأجور. 
وفي الختام عزيزي القارئ 
أنت كمواطن عربي هل تتمنى لو أنك تعيش في |اليابان|؟ 
بقلمي: تهاني الشويكي

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.