مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/29/2022 01:16:00 م

أساطير وقصص الأولين (الأنوناكي)
 أساطير وقصص الأولين (الأنوناكي)
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  
تعتبر الحضارة السومرية من أقدم الحضارات البشرية، وقد تكون أقدمها على الإطلاق، وما نعرفه عنها هو أنها من أكثر الحضارات تطوراً، فقد ألمَّ السومريون بالكثير من العلوم، وبخاصةٍ علوم العمارة والفلك والموسيقا والفنون، كما أنهم برعوا في استخدام أساليب الري، ويعود لهم الفضل في ابتكار القوارب والعجلات وغيرها من الاختراعات الهامة التي غيرت حياة البشر، ومن المعتقد أن السومريين هم أول من تحدث اللغة المحكية، كما تركوا الكثير من النصوص المكتوبة على ألواحٍ طينية، ورغم كل ما تمتعت به الحضارة السومرية فإن ذكرها كاد يخبوا أمام الاعجاز والابداع والغموض الذي ظهر في الحضارة المصرية القديمة، وبخاصةٍ ما يخص الأهرامات، ولعل الإعلام لعب دوراً هاماً في إغفال| الحضارة السومرية|، ولكن تلك الحضارة عادت لتفرض نفسها مجدداً بعد اكتشافٍ جديدٍ أثار دهشة الجميع.

من هم الأنوناكي؟

ظهرت كلمة أنوناكي في النصوص السومرية القديمة، وهي تصف كائناتٍ متطورةٍ للغاية، ويمكن ترجمتها بمعنى "القادمين من السماء"، أو بمعنى "أصحاب الدم الملكي"، وقد اعتقد البعض بأنه وصفٌ أسطوريٌّ للآلهة، كما اعتقد آخرون بأنهم ملائكة، وكذلك اعتقد البعض بأنهم بشرٌ أكثر تطوراً قدموا من مكانٍ آخر على الأرض، ولكن التفسيرات الحديثة تقول بأنهم جنسٌ من المخلوقات الفضائية.

ولقد تم العثور على بعض الألواح الطينية التي تروي قصةً عجيبةً عن خلق البشر، فالأنوناكي بحسب القصة هم من نسل الاله "آن"، إله السماء، والآلهة "كي"، آلهة الأرض، والمجموعة الأساسية منهم تضم سبعة آلهة هم: إنليل، إنكي، نانا، أوتو،إنانا، نين، وهورساج، وقد كانوا قضاةً يحكمون السموات والأرض، وعندما تمردت "إنانا" وقررت الاستيلاء على العالم السفلي، قرر القضاة محاكمتها، بتهمة الانقلاب على السلطة العليا، فكانت عقوبتها الموت.

مهمة الأنوناكي

تقول الأسطورة السومرية بأن مهمة الأنوناكي كانت تحديد مصير الجنس البشري، فهم عمالقة، وذوي قدراتٍ خارقة، ومتقدمون جداً من الناحية العلمية، ولكن أغرب ما في القصة هو أنهم من خلقوا البشر، من خلال دمج دمائهم بطين الأرض، وقد ارتبط الأنوناكي بشكلٍ وثيقٍ بالأجرام السماوية، فالنجوم في قبة السماء تمثّل الاله "آن"، بينما تمثل النجوم الشمالية الاله "إنليل"، ويرتبط "إنكي" بنجوم السماء الجنوبية، أما "إنانا" فهي |كوكب الزهرة|، و"أوتو" هو الشمس، أما "نانا" فهي القمر.

أسطورة الخلق السومرية

 في البدء كانت السماء والأرض غير منفصلتين، بحكم ارتباط الالهين "آن" و"كي"، ولكنهما انفصلتا بعد ظهور ولدهما البكر "إنليل"، بحيث أخذ "آن" السماء بعيداً، وأخذ "إنليل" الأرض مع والدته "كي" مبتعداً بها في الجهة الأخرى، وقبل خمسمئة ألف عامٍ من الآن، زار الأرض مخلوقاتٌ متطورة، من كوكبٍ يدعى "نيبيرو"، (وقد ورد ذكر هذا الكوكب في حضارة المايا أيضاً، على أنه سيسبب دمار الأرض عند اصطدامه بها)، أما المخلوقات الغريبة التي زارت الأرض فكانت الأنوناكي، وكانت مهمتهم جمع أكبر قدرٍ ممكنٍ من المعادن الثمينة مثل الذهب، وذلك لترميم الغلاف الجوي لكوكبهم الذي أصبح ضعيفا ومتداعياً، وهذا يهدد حياة الأنوناكي ويهدد كل ما هو حيٌ على كوكبهم بالانقراض.

أساطير وقصص الأولين (الأنوناكي)
 أساطير وقصص الأولين (الأنوناكي) أساطير وقصص الأولين (الأنوناكي)
تصميم الصورة : ريم أبو فخر   

الأنوناكي والعبيد

 عندما جاء الأنوناكي إلى الأرض، فإنهم لم يأتوا بمفردهم، بل جلبوا معهم جنساً آخر أقل شأناً منهم يدعى "إيجيجي"، وذلك لكي يستخدموه في أعمال التنقيب والحفر واستخراج المعادن كما يفعل العبيد، ثم أنشأ الأنوناكي المناجم والمستعمرات، وتذكر الأسطورة مكانين للمستعمرات، أحدهما في إفريقيا والآخر في الخليج، دون تحديد أي خليجٍ بالضبط.

خلق البشر

بعد عدة سنواتٍ من العبودية والظلم، قرر شعب "إيجيجي" التمرد على |الأنوناكي|، رفضاً لظروف العمل القاسية التي فرضوها عليهم، ولكنهم هزموا بعد صراعٍ دامٍ وحربٍ ضروس، وانتهى الصراع بفوز الأنوناكي رغم خسائرهم الكبيرة، فلقد خسروا اليد العاملة التي كانت تؤمن لهم الذهب، وهنا كان لا بد لهم من تأمين البديل، فطلب الاله "آن" من ابنه "إنكي" خلق جنسٍ جديدٍ من الكائنات لخدمتهم، بشرط أن يكونوا أكثر تطوراً من "الإيجيجي"، وبعد عدة محاولاتٍ نجح "إنكي" بخلق البشر في منطقةٍ تدعى "عدن"، وأطلق عليهم اسم "آدامو".

تطور البشر

بعد خلق البشر أصبحت متطلبات العمل أكبر، فكان عليهم استخراج كمياتٍ أكبر من الذهب، ما تطلب المزيد من اليد العاملة، ولكن البشر لم يكونوا قادرين على التكاثر، فقرر "إنكي" أن يعدل خصائصهم لكي يستطيعوا التكاثر، ولكنهم ما أن بدؤوا بالتكاثر حتى أصبحت أعدادهم هائلة خلال سنواتٍ قليلة، وهذا ما هدد أمن وسلامة مستعمرة الأنوناكي، فكان لابد من طرد الكثير من البشر من مكان تواجدهم في عدن، ومع مرور الوقت بدأ الأنوناكي بالتزاوج مع البشر، (وقد تكررت هذه الفكرة أيضاً في الكثير من الأساطير القديمة، فكلنا نذكر هرقل الجبار واخيل وجلجامش وغيرهم)، ما أغضب الاله "إنليل" شقيق "إنكي" لأنه رفض فكرة أن يعتلي أي بشريٍ عرش المُلك على كوكبهم نيبيرو، فراح يخطط للتخلص منهم، باعتبارهم كائناتٍ غير جديرة بالثقة.

الطوفان العظيم

قبل أن يفعل "إنليل" أي شيءٍ ضد البشر، كان نيبيرو قد أتم دورته في الفضاء التي تستغرق 3600 سنة، وعاد إلى جوار الأرض، فأثّر بجاذبيته على الشمس والأرض، وسبّب بعض الكوارث على الأرض، مثل الظلام، و|البرق|، والزلازل والبراكين، كما سبب طوفاناً عظيماً أهلك معظم البشر، فقرر إنليل العودة إلى نيبيرو، ولكن بعض الأنوناكي ومنهم "إنكي" رفضوا ذلك وقرروا البقاء على الأرض، ولما شاهد "إنكي" الطوفان من مركبته الفضائية، أشفق على خليقته، فطلب من بعظهم بناء قوارب للنجاة، وبعد انحسار الطوفان، أعاد الأنوناكي بناء الأرض، ووهبوا البشر |الحضارة السومرية|، قبل أن يعودوا إلى كوكبهم محملين بالذهب، ولكنهم قبل أن يرحلوا غيروا خصائص بعض البشر، لكي يكونوا ملوكاً على باقي البشر، وهم من نعرفهم اليوم بذوي الدم الملكي، وهذا ما سبّب الفوارق الطبقية في المجتمع البشري، وتقول الأسطورة بأن الأنوناكي سيعودن ثانيةً إلى الأرض في يومٍ ما.

أساطير وقصص الأولين (الأنوناكي)
 أساطير وقصص الأولين (الأنوناكي)
تصميم الصورة : ريم أبو فخر
   

آراء حديثة حول الأنوناكي

رغم كل ما تحمله تلك الأسطورة من تداخلاتٍ بين الخرافات والأحداثٍ التاريخية والدينيةٍ المعروفة، فقد لاقت تأييد الكثير من الباحثين، مثل الكاتب زكريا سيتشين، الذي طرح تلك الأسطورة في كتابه الكوكب الثاني عشر، وقد أبدى تأييده لفكرة أن الحضارة لم تنشأ على الأرض بل جاءت من الفضاء مع الأنوناكي، كما ذكر بأنهم استخدموا الأمواج الصوتية كمصدرٍ للطاقة، وقد لاقت كتب سيتشين رواجاً كبيراً بين الناس حتى تُرجمت إلى الكثير من اللغات، كما تطرق في كتاباته إلى نشأة الأرض وأصول الانسان الفضائية، ويتفق هذا الطرح مع بعض الأفكار العلمية الحديثة حول نشأة الحياة على الأرض، فهناك نظريةٌ تقول بأن الحياة جاءت إلى الأرض من مكان آخر في الكون على ظهر أحد النيازك. وقد يتساءل البعض عن سر الرواج الكبير الذي تلقاه كتب سيتشين، ولعل السبب يعود إلى تقديمها بعض الأجوبة المقبولة عن أسئلةٍ حيرت الناس منذ عصور، مثل: من أين جئنا؟ ولماذا خُلقنا؟

آراء معارضة

  وفي الجهة المقابلة نجد من يختلف مع سيتشين ويعارض طروحاته، فالدكتور |مايكل هيزر| المتخصص باللغات السامية يعتبر بأن ما طرحه سيتشين يتعارض مع كل ما نعرفه عن نظامنا الشمسي، و|الأجرام السماوية| المعروفة، وبأن جميع ما قاله سيتشين يعتمد على اجتهاداته الشخصية، وليس مدعوماً بأية أدلةٍ علمية، ومع أن هيزر يعترف بوجود كلمة الأنوناكي في الحضارة والأدب السومري، إلا أنه لا يوجد أي دليلٍ يربط بينها وبين كوكبٍ يدعى نيبيرو. ومن الجدير بالذكر بأن قصة الأنوناكي موجودة في حضاراتٍ أخرى غير السومرية، مثل الآكادية والآشورية والبابلية مع اختلافٍ في التفاصيل، ولكن لا ننسى بأن التقارب المكاني والزمني بين جميع تلك الحضارات يجعل تشابهها أمراً طبيعياً فهي حتماً ستتأثر ببعضها البعض بشكلٍ أو بآخر.

اكتشافٌ جديد

في عام 1849 اكتشف عالمٌ بريطاني يدعى أوستن هنري لايارد ألواحاً طينيةً يبلغ عددها أربعة عشر لوحاً، تعود للحضارة السومرية في موقع نينوى الأثري، وقد ذكرت تلك الألواح أسطورة الأنوناكي، كما ذكرت قصة خلق البشر، وخروجهم من جنة عدن، وقصة الطوفان العظيم، ولكن لا يستطيع أحدٌ الجزم بصحة ما ترويه تلك الألواح، فهي بحسب علمنا مجرد أساطير وقصصٍ خيالية لا تنسجم مع معتقداتنا رغم الكثير من التشابه بينها. ولكن ذلك التشابه يثير لدى الكثير من الناس الكثير من الشكوك والظنون حول حقيقة ما نعرفه عن الانسان وخلقه وتطوره.

في الختام بقي أن نقول بأن أرضنا وتاريخنا مليئان بالحضارات والأساطير، وإذا كانت بعض تلك الحضارات متقاربةً مكانياً أو زمانياً فمن الطبيعي أن تنشأ بينها بعض التأثيرات، فمثلاً نجد الكثير من التشابه بين الكتابة السومرية و|الكتابة الهيروغليفية|، ومن الممكن أن تكون الحضارة المصرية قد جاءت من بلاد الرافدين، ولكن الغريب أن نجد تشابهاً بين حضارتين منفصلتين تماماً عن بعضهما مثل الحضارة المصرية وحضارة المايا في وسط جنوب القارة الأمريكية.

لطفاً شارك المقال لكي تعم المعرفة والفائدة. 

سليمان أبو طافش


إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.