مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 3/30/2022 06:31:00 م

قصة بنك السيدة العجوز في بريطانيا
 قصة بنك السيدة العجوز في بريطانيا  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر 
 
عند الحديث عن بريطانيا، نتذكّر حالاً الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فما هي أسرار قوة هذه الامبراطورية التي احتلت مساحاتٍ واسعةً من الأرض؟ ولم يستطع أحدٌ احتلالها، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لديها عيدٌ وطني، وعند البحث في مصادر قوتها وقدرتها على السيطرة والتوسع، سنجد حتماً ما يسمى |بنك السيدة العجوز|، فما هو هذا البنك وما هي حكايته؟

إنشاء بنك السيدة العجوز

أنشئ بنك السيدة العجوز سنة 1694، وما زال قائماً حتى اليوم، وهو من أقوى البنوك المركزية في العالم، فهو مبتكر معظم الأنظمة والحيل المصرفية التي نعرفها اليوم، ويمكن اعتباره الأصل الذي نشأت عنه المصارف و|الأنظمة المصرفية|، مع أنه بقي ملكيةً خاصة حتى وقتٍ قريب، ولكننا إذا أردنا معرفة حكايته الكاملة فعلينا الغوص أكثر في أعماق التاريخ.

قصة البنك من بدايتها

تبدأ الحكاية في عام 1066، بعد غزو النورمانديين لبريطانيا، فقد وصلت مجموعةٌ من اليهود الذين عملوا بتقديم القروض للناس والحصول على فوائد مادية، ولكن الحكومة الانكليزية فرضت عليهم ضرائب كبيرةً مقابل سماحها لهم بممارسة هذا النشاط، ولكنهم رغم ذلك استطاعوا تنمية أعمالهم وجني أرباحٍ كثيرة، فأصبحوا أثرى أثرياء بريطانيا، مع أنهم مُنعوا من امتلاك الأراضي في بريطانيا كلها.

طرد اليهود من بريطانيا

لم يمتلك اليهود في بريطانيا آنذاك، أية حقوقٍ لتوريث ثرواتهم لورثتهم الشرعيين، فعند وفاة أحدهم، كانت ثروته تتحول إلى التاج الملكي، حتى اعتلى الملك إدوارد الأول العرش سنة 1275، فأصدر قانوناً لمنع الربا، ثم أصدر قانوناً آخر سنة 1290 بطرد اليهود من بريطانيا، فذهب معظمهم إلى هولندا واسبانيا و|إيطاليا|، وبدؤوا بالعمل هناك.

تجارب أخرى للبنوك

لم تكن فكرة البنوك بمعناها الحديث موجودةً قبل القرن السابع عشر، رغم ظهور بعض التجارب المشابهة للبنوك في كلٍّ من فينيسيا وجنوة و|أمستردام|، وقد ساهمت تلك البنوك بجعل دولها من أهم الدول التجارية حول العالم، ولكن إنكلترا تحديداً لم تكن راغبةً بوجود أية بنوكٍ فوق أراضيها، لأنها خشيت من سلطة البنوك التي تجعلها دولةً داخل الدولة.

حرب الثلاثين عاماً

عندما وصل |الملك تشارلز الأول| البروتستانتي إلى حكم إنكلترا، تزوّج من ابنة ملك فرنسا الكاثوليكية، وكانت الحرب بين أتباع المذهبين على أشدها، وقد أطلق عليها اسم حرب الثلاثين عاماً، وانغمست فيها معظم دول أوروبا، ولكن ذلك الزواج كان زواجاً سياسياً بكل معنى الكلمة، ما جعل البرلمان الانكليزي يوافق عليه.

انقلاب الملك على البرلمان

كان الملك تشارلز مقتنعاً بأن حقه في الحكم هو من عند الله، فاعتقد بأنه يستطيع الحكم منفرداً دون العودة إلى البرلمان، ولكن البرلمان لم يسمح له بتنفيذ مآربه، فكان له بالمرصاد دائماً كشوكةٍ في خاصرته، ومع أن الملك قام بحلّ البرلمان، إلا أن البرلمان الجديد عارضه أيضاً، وتكرر ذلك عدة مراتٍ، فعانت إنكلترا من أزماتٍ داخليةٍ أُضيفت تبعاتها إلى تبعات الحروب الخارجية التي أنهكتها.

قصة بنك السيدة العجوز في بريطانيا
 قصة بنك السيدة العجوز في بريطانيا  
تصميم الصورة : ريم أبو فخر  

الحرب الأهلية

وجد الملك تشارلز الأول نفسه ومملكته بدون أموال، فكان عليه إيجاد مصدرٍ يمدّه بالمال، فقرر فرض الضرائب على الناس، ولكن البرلمان رفض ذلك، كما رفض السماح للملك بالحصول على أية أموالٍ من خزينة الدولة، فزادت الخلافات والصراعات بين الملك والبرلمان، وانقسمت الدولة إلى قسمين، فقامت الحرب الأهلية الإنكليزية، التي دمّرت البلاد والعباد وخلّفت أكثر من مئتي ألف قتيل.

تحوّل الملك إلى لص

في حالة الحرب والذُّعر التي اجتاحت إنكلترا، لجأ أصحاب الأموال إلى تخبئة أموالهم في |برج لندن|، وهو عبارةٌ عن قلعةٍ حصينةٍ ومحمية، وهو المكان الأكثر أمناً في بريطانيا آنذاك، وكان فيه من الأموال الكثيرة ما دفع الملك إلى وضع يده عليه وعلى كلِّ محتوياته من الأموال، وكان ذلك صدمةً كبيرةً للناس، لأنه آخر ما كانوا يتوقعونه من الملك.

محلة مالية جديدة

استمرت |الحرب الأهلية| حتى سنة 1649، حيث انتصر أتباع البرلمان على أتباع الملك، فتم القبض عليه وإعدامه، فأصبح الحكم المطلق للبرلمان، ولكن التجار وأصحاب الأموال لم يعودوا قادرين على استعادة الثقة بأية جهةٍ كانت ليعودوا إلى إيداع أموالهم في برج لندن، فبدؤوا يودعون أموالهم عند الصائغين مقابل سنداتٍ تثبت ذلك.

ظهور الأثرياء الجدد

مع الوقت، وجد الصائغون أنفسهم يحتكمون على مبالغ طائلةٍ من الأموال والذهب، ولاحظوا بأن معظم المودعين يفضّلون التعامل بالأوراق بدل الذهب، فنشأت عندهم فكرة إقراض الذهب الذي بين أيديهم لمن يحتاجه مقابل فوائد معينة، وقد وصلت أسعار الفوائد إلى 33% في بعض الأحيان، فزاد ثراء الصاغين لدرجةٍ كبيرة.

قيام الثورة الإنكليزية

بدأ التجار وأصحاب الأموال ينتبهون إلى ثراء الصياغ المتزايد، فراحوا يتساءلون عن سر ذلك، وعرفوا حقيقة الأمر، فطالبوا الصياغ بنسبةٍ من الأرباح، وهنا بدأت فكرة فوائد الإيداع التي ما زالت قائمةً إلى الآن، واستمرّت اللعبة بين الصاغة والمودعين إلى سنة 1688، حين قامت الثورة الانكليزية، وكان سببها الصراع على الحكم بين المذهبين الكاثوليكي والبروتستانتي، فهرب الملك جيمس الثاني الكاثوليكي وحل مكانه الملك وليم الثالث.

مرابح جديدة يجنيها أصحاب البنوك

لم يكن الملك الهارب جيمس الثاني وحيداً في حربه ضد الملك وليم الثالث، بل كان مدعوماً من |لويس الرابع عشر|، ملك فرنسا الكاثوليكي، وكانت البحرية الفرنسية متفوقةً على البحرية البريطانية آنذاك، فأراد الملك وليم الثالث تقوية أسطوله البحري، ولكنه لم يمتلك المال اللازم لذلك، فطلب من الصاغة قرضاً مقداره مليون ومئتي ألف جنيه استرليني، بفائدة سنوية 8%، ولكن الصاغة طالبوا الملك بسنداتٍ تثبت ذلك، ثم استغلوا تلك السندات لكي يجذبوا الناس إلى الإيداع لديهم.

الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس

قام الصاغة بقبول أموال الناس كودائع بفائدةٍ سنويةٍ مقدارها 3%، في حين أنهم أعطوا الملك قرضاً بفائدة 8%، فكانت أرباحهم تأتي من الفرق بين سعري الفائدتين، وهذا هو أصل عمل البنوك والمصارف ومصدر أرباحها الأساسي حتى الآن، وما أن نجح الملك وليم بتثبيت أركان حكمه، حتى بدأت عودة الحياة المستقرة إلى إنكلترا، وبدأت التجارة تزدهر، فزادت الشركات وزادت المستعمرات، حتى أصبحت بريطانيا الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

قيام الثورة الصناعية

مع زيادة المستعمرات، زادت موارد الدولة، فكثرت الأموال لدى الحكومة البريطانية، وهذا جعلها تسيطر على مستعمراتٍ جديدةٍ وهكذا، وهذا ما ساعد أيضاً بقيام الثورة الصناعية وازدهار العلوم ومختلف نواحي الاقتصاد التي أوصلت بريطانيا إلى المملكة التي نعرفها اليوم، وكل ذلك حدث برعاية ما أصبح معروفاً باسم بنك السيدة العجوز الذي بقي أكبر مركز مالي في العالم حتى عام 1946.

في عام 1946، قامت الحكومة البريطانية بتأميم بنك السيدة العجوز ليصبح المصرف المركزي البريطاني، ولكن سبب التأميم في ذلك الوقت بالذات غير معروف، فإذا كانت لديك أية معلوماتٍ حول ذلك، فنرجو أن تشاركنا بها.    

سليمان أبو طافش

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.