مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 2/25/2022 12:02:00 ص

حوار ساخن ومعركة باردة
حوار ساخن ومعركة باردة
تصميم الصورة : رزان الحموي 
 
قصة للشباب واليافعين

أطل الكتاب على الجوال الذي تربع على الرف السفلي للمكتبة، وتنهد بقوة فانتبه الجوال إليه،ورفع رأسه نحوه وقال له بتعالٍ  :  

أراك عدت مجدداً ،ألم تدرك بعد بأن عهدك قد  ولََى وانتهى

قال الكتاب أنت مخطئ يا صديقي

 فأنا كالذهب العتيق كلما مر الزمان ، ازدادت قيمتي وغلا ثمني، تذكر جيداً أنه لايحلو الكلام إلا مع سطوري .  

قهقه الجوال وقال عن أي سطور تتحدث؟ 

لقد تم ركنك على الرفوف ، ألا ترى كيف اصفرَّت أوراقك وعلاك الغبار؟. 

 قاطعه الكتاب 

 لولا سطوري لما ظهرتَ أيها الجاحد ، أنا ولا فخر قد أسهمت في بناء الحضارة وأرسيت أسسها  ٠

 قال الجوال  : كفاك أوهاماً وتغنياً بأمجادك  لقد صرت من الماضي

 أما أنا فالحاضر والمستقبل نحن الآن في عصر السرعة ، وعصرالجوال والشابكة يجب أن تعي تلك الحقيقة جيداً وأنْ تدرك أنَّ الفرق بيننا شاسع فقراءة سطورك ومجلداتك يستغرق شهوراً وأياماً... 

أما أنا فأختصر الوقت والجهد، وأقرِّب المسافات وبلمسة زر واحدة أنقل للإنسان أخبار الكون وما يجري به من أحداثٍ وتطورات، في شتى مجالات الحياة  ،أجوب به أصقاع الدنيا جواً وبراً وبحراً  أصل مشارق الأرض بمغاربها ، أترجم اللغات وأؤمِّنُ التواصل ببن الناس أينما  كانوا وحلوا  بالصوت والصورة ثلاثية الأبعاد ، عدا عن الترفيه والتسلية والمرح 

كما وأقدم له الكثير الكثير مما لا تتسع له صفحاتك دون أدنى عناء  ، كل هذا وهو جالس في بيته وغرفته وسريره وكنبته وقبل أن ينهي فنجان قهوته . 

 صرت أشغل كل حياته ووقته ، أصبحتُ ساعةً في يده ، وفهرساً لهاتفه ، ومنبهاً لمواعيده  وبوصلةً لاتجاهاته ، وطاهياً لمطبخه ، ومدرباً لرياضته ،وتلفازاً لتسليته ومتجراً لتسوقه ، وسكرتيراً لأعماله  ، وكشافاً لطريقه،  ومنتبئاً جوياً له.. و... و...و

 إنني بحجمي الضئيل ، الذي لايتجاوز كف اليد الواحدة ، وشكلي الأنيق الجذاب ، أواكب العصر  وأرافقه في حله وترحاله ، حيث يمكنه نقلي وحملي بسهولةٍ، في جيبه وحقيبة نقوده الصغيرة

لم يعد لك مكان بيننا ، أنا التكنولوجيا السريعة وأنت مجرد سلحفاة بطيئة زاحفة ، لا يمكنك مجاراتي على الإطلاق

وفوق هذا فأنت مصنوع من ورقٍ سريع العطب والتلف ، ومعرَّض للتمزق ٠لذا فأنا أنصحك أن تُقِرَّ بالهزيمة وتعود للنوم فوق رفوف المكتبات

هنا قاطعه الكتاب قائلاً 

أن تكون  هادئاً ورزيناً  لا يعني أن تكون بطيئاً  كن واثقاً بأن ابتعاد أبناء الجيل الجديد عني، لا يعني اندثاري ، هي كبوة و سيصحون منها وسيكتشفون بأنه لاغنى لهم عني، دعهم فهم لايزالون مبهورون بالضجيج الذي رافق ظهوركَ

ثم أنت آخر من يتحدث عن العيوب  فهذا ليس في  مصلحتك. 

 ولا تنسى بأنك تتعرَّضٌٌ للقرصنة ،والتهكير  وتصاب بالفيروسات القاتلة ، عدا عن أنك تحتاج دائماً إلى التحديث و التطوير المستمر  ، وأية صدمة قد تعرضك للكسر والتلف، وقد توقفك عن العمل تماماً  ٠   

رن جرس الجوال، فأضاء ، وبدأ يصدر نغماتٍ راقصةٍ ،  فالتفت إلى الكتاب وقال بتهكم : أرأيت؟ هل تستطيع القيام بذلك ، أنت صامت لا تستطيع الكلام أما أنا ، فأتكلم وأصدر النغمات والألحان  والأضواء ،  وبدأ الجوال بالاهتزاز والارتجاج في حركات استعراضية. 

كان عادل يستمع إلى الحوار الساخن والمناقشة الحاسمة بشغفٍ وذهولٍ ويبدو أنه كان يتعاطف مع الكتاب ، ويشعر نحوه بالأسف وتأنيب الضمير ، فمنذ مدةٍ طويلةٍ ، لم يقرأ فيه ولم يتصفحه 

هز رأسه بأسفٍ وتمتم  : فعلاً لقد ظلمنا الكتاب وانشغلنا عنه كثيراً ، واستمر الجوال بالاهتزاز والرنين ، حتى سقط على الأرض فتبعثر وتناثرت قطعه ، تنهد الكتاب بقوة وقال : لقد قتله غروره... 

  انتبه عادل إلى صوت أمه وهي تهزُّه بشدَّةٍ من يده

 هيه ماما بمَ أنت شاردٌ هكذا؟ لقد قلقت عليك إنك مستغرق جداً في شرودك ، ثم شهقت وهي تنظر إلى الأرض وقالت  : انظر ماذا حدث للجوال!!!! ؟

أسرع عادل يجمع قطع الجوال المتناثرة  وهو يتمتم  : 

أيها المنتمر الصغير ثم التفت إلى الكتاب وهو يغمز له بعينه  وقال هامساً  : لن أهملك بعد اليوم  أعدُك بأني سأعود لصفحاتك وسطورك وسوف أسعى لمساعدتك ما استطعت لتستعيد أمجادك  ثم بدأ يتصل بشركة الموبايلات لإصلاح شاشته المكسورة ، ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه من جواله المحطم  ٠

في اليوم التالي ، تقدم عادل إلى إدارة المدرسة باقتراحٍ ، للقيام بحملة توعوية بعنوان العودة إلى القراءة ، كما أنه جعله مشروع تخرجه في نهاية العام 

أنتظر أن أعرف ماذا تعلمتم من قصّة اليوم في التعليقات بلهفة ..

🤍دمتم برعاية الله أحبائي🤍 


 جدتكم المُحبَّة هدى الزعبي

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.