هل أثبتت الديموقراطية فشلها؟ - الجزء الثاني
هل أثبتت الديموقراطية فشلها؟ - الجزء الثاني تصميم الصورة: وفاء مؤذن |
استكمالاً لما تكلمنا في مقال سابق حول هل أثبتت الديموقراطية فشلها؟
آراء مختلفة:
من أقدم المفكرين الذين تحدّثوا عن الديموقراطية، الفيلسوف اليوناني الشهير |سقراط|، وقد تحدث عن |الديموقراطية| مطولاً في كتابه "|الجمهورية|"، وكان واضحاً رفضه لفكرة الديموقراطية، بحجة أن الشعوب بشكلٍ عام غير مؤهلةٍ لعملية الاختيار، وإذا كان الشعب لا يعرف كيف يختار، فهو حتماً لن يقع اختياره على الخِيار الأفضل، فسقراط يرى بأن الانتخاب ليس حقاً مكتسباً يولد مع الناس، ولكنه استحقاقٌ يناله من يثبت جدارته به، أي أن الانتخاب بشكلٍ صحيح يتطلّب قدراً كافياً من العلم والمعرفة، وإلا ضاعت الدولة، وقد يبدو كلام سقراط غريباً، ويدعو إلى النخبوية، ولكن الحقيقة أن سقراط أراد أن يشير إلى ضرورة رفع الوعي العام والمعرفة لدى الناس قبل حصولهم على حق الانتخاب، لكي يكون قرارهم قائماً على المعرفة بالمصلحة العامة وليست على اعتباراتٍ أخرى.
الديموقراطية قتلت سقراط:
من المؤسف أن أشهر مفكري العالم حُكم عليه بالموت بالسم من قبل الشعب الإغريقي الذي اعتقد بأنه يمارس حقّه في التصويت، فاقتنع بادعاءات الحكّام بأن ما يبثّه سقراط بين الناس يُفسد عقول الشباب ويدفعهم إلى الهلاك، فصوّت الشعب لصالح مقتله، وبهذا انتهت رحلة الفيلسوف الأشهر على مرِّ التاريخ، فسقراط إذاً كان ضحيةً للديموقراطية العمياء التي حارب ضدها وسعى إلى تقويمها، فهل كان نظام الحكم الذي قتل سقراط نظاماً ديموقراطياً أم شيئاً آخر؟
ما هي الديماغوجية؟
يطلق المفكرون مصطلح الديماغوجية على نظام الحكم |الديموقراطي| القائم في مجتمعٍ جاهل ٍوغير متطور، فهذه الديموقراطية تسمح للحاكم الذكي بأن يسيطر على عامة الناس ويقنعهم بما يريد لكي يختاروا ما يريده وهم يعتقدون بأنهم يختارون ما يريدون، فالشعب الذي لا يمتلك المعرفة الكافية، سيكون سهل الانخداع والانصياع، وسيسير خلف قيادته بشكلٍ أعمى، وهو يقول لنفسه: "ليس بالإمكان أفضل مما كان، وهذا هو خيارنا الأفضل"، فالقائد الذي يعرف كيف يسيطر على عقول الناس سيقنعهم بأنه خيارهم الأمثل، وسيوهمهم بأنهم يختارون بأنفسهم ما يريد هو منهم أن يختاروه.
أسئلة تطرح نفسها حول الديموقراطية:
من المفروض في الأنظمة الديموقراطية أن يتولّى الحكم وإدارة البلاد مجلسٌ منتخبٌ من عامة الشعب، يسمى مجلس الشعب، أو مجلس الأمة أو البرلمان، أو غيرها من المسميات، ولكن إلى أي مدى نجد ذلك على أرض الواقع؟ فهل تلك المجالس على اختلاف مسمياتها هي الحاكم الفعلي للبلاد؟ هل تمارس أدوارها وصلاحياتها كما يجب؟ أم أن هناك أشخاصاً وجهاتٍ أخرى تسيّر الأمور من وراء الكواليس؟
يرى معظم المفكرين بأن الديموقراطية في مختلف بلاد العالم غير حقيقة، فأدونيس مثلاً لا يجد الديموقراطية في أية دولةٍ تدّعيها، ولكنه يرى ما يشبهها في الدول الاسكندنافية فقط.
أمثلة حية عن الأنظمة الديموقراطية المعاصرة:
لطالما تغنّت |الولايات المتحدة| الأمريكية بأنها رائدة الديموقراطية، بل إنها غزت دولاً وقهرت شعوباً وحطّمت بلاداً بحجة نشر الديموقراطية، فهل هذا حقاً ما يريده الشعب الأمريكي؟ وهل الشعب الأمريكي هو صاحب القرار الحقيقي؟ إن كان كذلك فأين هم رجال الأعمال وكبرى شركات النفط والأسلحة وغيرهم من كل ما يجري؟
وإذا نظرنا إلى مجتمعنا العربي، فهل أصبح العراق بلداً ديموقراطياً؟ هل أصبح العراق والشعب العراقي أفضل حالاً؟
الخلاصة:
لا يوجد إنسانٌ عاقلٌ يرفض مبدأ الديموقراطية كأسلوب حكمٍ يضمن للشعب أوسع مشاركةٍ ممكنةٍ في تحديد مصيره وتقرير مستقبله، ولكن الديموقراطية تستلزم بالضرورة بناء شعبٍ واعٍ ومنفتحٍ ومدركٍ لما يجري حوله.
إذا وجدت بعض الفائدة فشاركنا بتعليق.
إرسال تعليق
كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك