مؤسسة سطر لصناعة المُحتوى العربي 8/02/2021 01:22:00 م

 قد قطّعت نياط قلبي

قد قطّعت نياط قلبي.

 قد قطّعت نياط قلبي.


عندما فُطِرَ الإنسان، وبُعثَ إلى هذهِ الحياة، كان يحمِلُ في داخلهِ خليط من المشاعر، الّتي تساعدهُ في التّعبير عن الأفكار الّتي تدور في رأسهِ، وبذلك يفهم المجتمع المحيط بهِ ما يحدث لهُ.

ولا شك أنَّ الله سبحانه لم يخلق شيئاً عن عبث،كما لم يخلُق شيئاً به أذى للنّاس .

وإذا نظرنا للأمر من ناحيةٍ طبيّة، فإنَّ المشاعر ضرورية جدّاً ناهيك عن أنّها وسيلة تعبير، لكنّها أيضاً تؤثّر على عمل أجهزة الجسم.

ولو تعمّقنا في البحث ستُدهشُكَ معرفة أن المشاعر لها أساس عضوي، حيثُ أنَّ هنالك مجموعة من الهرمونات هي المسؤولة عن ظهور هذهِ التعابير، وذلك من خلال اختلاف مستوياتها في الجسم عن المستوى الطّبيعي صعوداً أو هبوطاً.

فعند حدوث مؤثّر خارجي، يستجيب لهُ الجسم عن طريق رفع أو خفض نسب هذه الهرمونات وذلك تبعاً لطبيعة الموقف، فتُترجم هذه الاستجابة على شكل تعابير مناسبة توحي للوسط المحيط ما يحدث داخل هذا الشّخص .


سنتحدّث في مقالنا هذا عن الحزن، وتأثيره على القلب.

حيثُ يُعدُّ الحزن من أكثر المشاعر البشريّة إيلاما، وهو على عكس الفرح، حيث يترافق مع الشعور بالضّعف والبؤوس والعجز.

ويوصف أحياناً بالكآبة وعامّة النّاس توارثوا وصفهُ بالهمِّ، وصحيح هو شعور مؤلم وغير محبّب، لكن أثر وجودهُ مشابه لأثر وجود اللّيل، حيثُ أنّنا لولا اللّيل لم ندرك وجود النّهار، 

ولولا الحزن لم نُدرك معنى الفرح .


  • تقطّع نياط القلب نتيجة الحزن :


انتشرت في الفترة الأخيرة منشورات على صفحات السوشال ميديا تتحدّث عن الأثر البليغ الّذي يحدثهُ الحزن في كيان القلب، حيث كانت المنشورات مذكورة على الشكل التّالي:

"هذه الخيوط موجودة في القلب، وعندما يجرحك أحد أو يقوم بكسر خاطرك، فإنّ هذهِ الخيوط تتقطّع، الأمر الّذي قد يؤدّي إلى حدوث تجلُّط في الدّم قد ينتهي بالوفاة، فرفقاً بمن تحبُّون "

(الرّفق بمن نحب وبمن لا نحب من أبسط الواجبات الّتي علينا الالتزام بها،سواء كان للأمر علاقة وارتباط طبّي أو لا)

طبعا هذه المناشير تُرفق دائماً بصور تظهر جزءاً من البنية التشريحيّة للقلب، هذهِ البنية لها شكل مشابه للخيوط .

فما هي هذه الخيوط، هل هي حقّاً موجودة؟ 
وهل للحزن علاقة بتمزُّقها ؟

طبعاً النِّياط أو خيوط القلب : 

هي عبارة عن بنى تشريحيّة موجودة في القلب يطلق عليها مصطلح CHORDAE TENDINEAE أو بالعربي تُعرف بخيوط النّياط، فما هي حقيقة هذهِ الخيوط، وما هي وظيفتها في القلب ؟


تشريح القلب :


يوجد لدى الغالبية العظمى من النّاس معرفة بجهاز الدّوران الّذي يتكوّن من (القلب،الشرايين،الأوردة)، ففي الصفوف الابتدائيّة ذكروا لنا أنَّ القلب يتكوّن من مجموعة من الحجرات كُنَّا نسمي الحجرات العلوية أذينات، والحجرات السفليّة بطينات، وكان كل منهم ينقسم إلى قسم أيسر وقسم أيمن .

الأذينات مهمّتها الأساسية هي استقبال الدّم الدّاخل إلى القلب، أمّا البطينات فمهمّتها الأساسية: توزيع الدّم على جميع أعضاء الجسم عندما يقوم بعمليّة الانقباض.

 

كيف يسير الدّم في القلب :


 يأتي الدّم من جميع أعضاء الجسم مُحمَّلاً بثنائي أُكسيد الكربون عن طريق الوريدان الأجوفان العلوي والسفلي،ويصبان في الأذين الأيمن، ثم يذهب الدّم في اتّجاه واحد غير عكوس إلى البطين الأيمن.

يقوم البطين الأيمن بضخ الدّم المُحمَّل بغاز ثنائي أكسيد الكربون  إلى الرئتين عن طريق الشريان الرّئوي .

تقوم الرئتين عن طريق عمليّة التنفُّس بإزالة غاز ثنائي أكسيد الكربون من الدّم وتقوم بإمدادهِ بالأكسجين  فيصبح الدّم مؤكسج.

يعود الدّم المؤكسج إلى القلب عن طريق الأوردة الرّئويّة الأربعة ويصب في الأذين الأيسر .

ثم يكمل الدّم المؤكسج طريقهُ من الأذين الأيسر في اتّجاه واحد غير عكوس نحو البطين الأيسر الّذي يقوم بضخّهِ نحو كافّة أعضاء الجسم.

نلاحظ مما سبق أنّ الدّم يسير باتّجاه واحد غير ردود من الأذين إلى البطين، حيثُ أنّ الدّم خلال هذه الرحلة يحتاج إلى آلية تنظّم حركة الانتقال هذهِ بحيث تكون فقط في اتّجاه واحد .


صمّامات القلب :


قلنا في الفقرة السّابقة أن هنالك آلية تنظّم حركة انتقال الدم داخل القلب باتّجاه واحد من الأذين إلى البطين، تعمل هذه الآلية من خلال ما يعرف بالصمامات.

الصمامات يمكن تشبيهها بأبواب تقع بين حجرات القلب (أي بين الأذين والبطين)،

ونحن نعلم أن الأبواب بحاجة إلى مفصلات(تسمح لنا المفصلات بفتح الباب باتّجاه واحد فقط)، وصمامات القلب تمتلك أيضاً مفصلات تمنح الصّمام القدرة على نقل الدّم باتّجاه واحد فقط، وتدعى هذه المفصلات بخيوط النّياط.

اذا وظيفة خيوط النياط (المفصلات)، هي أن تقوم بالشّد على صمامات القلب فتسمح لها بأن تفتح باتّجاه واحد فقط، مما يؤدي إلى نقل الدّم باتّجاه واحد لا غير(من الأذين إلى البطين).


حقيقة انقطاع خيوط النّياط:


نعم هذه الخيوط من الممكن أن تنقطع، لكن ليس في حالات الحزن وكسر الخاطر كما تحدّثت أغلب صفحات السوشال ميديا، وإنّما تنقطع هذهِ الخيوط في حالات مرضيّة صعبة مثل:

1.مرض التهاب بطانة القلب 

نتيجة نوع من البكتيريا وذلك يُسمَّى ب INFECTIVE ENDOOCARDITIS

2. مرض الحُمّى الروماتيزميّة

 الّتي تصيب القلب وتُسمّى ب RHEUMATIC FEVER 

3. جزء من عضلة القلب يحصل له ضمور 

نتيجة أن الدّم الّذي يتلقّاهُ هذا الجزء قد قل وهذه الحالة تُسمَّى احتشاء عضلة القلب myocardial infarction، وهي حالة صعبة وتحتاج إلى سرعة في نقل المريض إلى أقرب مستشفى. 


اذاً الموضوع ليس له أي علاقة بالحزن أو كسر الخاطر وإنّما انقطاع هذه الحبال مؤشّر على حالات مرضيّة خطيرة يجب تداركها بشكل سريع .


إلى هنا نكون قد وصلنا الى نهاية هذا المقال ..دمتم في رعاية الله و أمانته .. 🤍

إلى اللّقاء ..

بقلم الدكتور علي سويدان 

إرسال تعليق

كُن مشرقاً بحروفك، بلسماً بكلماتك

يتم التشغيل بواسطة Blogger.